الخميس، 17 فبراير 2011

فقه جنايات و حدود

السلام عليكم ,

تدرسنا : الدكتوره منى التويجري

المنهج :   ملازم + كتاب الملخص الفقهي


-



** اعلان من الدكتوره منى التويجري **  :

1- الطالبات اللاتي لم يسجلن انشطتهن في كشف اعمال السنه , يجب عليهن مراجعة الدكتوره في أول يوم امتحان .
2- الطالبة مي الهوته , تم تنزيلها حرمان لتعدي الغياب .

-

بالنسبه للامتحان : الانتظام و الانتساب نفس المنهج , و طريقة الاسئله نفس الترم اللي راح .


====






المحدد من الملخص الفقهي ..




باب في أحكام الديات

الديات جمع دية ، وهي المال المودى إلى مجني عليه أو وليه بسبب جناية ، يقال : وديت القتيل : إذا أعطيت ديته ، فالدية مصدر ودى ، والهاء فيها بدل من الواو التي حذفت ; مثل : عدة وصلة من الوعد والوصل .
والدليل على وجوب الدية : الكتاب ، والسنة ، والإجماع .
- قال الله تعالى :
وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ الآية .
- وفي الحديث الصحيح :
من قتل له قتيل ; فهو بخير النظرين : إما أن يفدي ، وإما أن يقتل رواه الجماعة .
فتجب الدية على كل من أتلف إنسانا بمباشرة ; كما لو ضربه أو دهسه بسيارة ، أو قتله بتسبب ; كمن حفر بئرا في طريق أو وضع فيه حجرا فتلف بسبب ذلك إنسان ، سواء كان التالف مسلما أو ذميا أو مستأمنا أو مهادنا ; لقوله تعالى :
وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ
فإن
كانت الجناية التي تلف بسببها المجني عليه عمدا محضا فإن الدية تجب كلها في مال الجاني حالة ، لأن الأصل يقتضي أن بدل المتلف يجب على متلفه ،
قال الموفق ابن قدامة : " أجمع أهل العلم على أن
دية العمد تجب في مال القاتل لا تحملها العاقلة ، وهذا يقتضيه الأصل ، قال تعالى : وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى انتهى .
وإنما خولف هذا الأصل في دية الخطأ لكثرة الخطأ ، فإن جنايات الخطأ تكثر ، ودية الآدمي كثيرة ، فإيجابها على الجاني في ماله يجحف به ، فاقتضت الحكمة إيجابها على العاقلة على سبيل المواساة للقاتل تخفيفا عنه ; لأنه معذور ، والعامد لا عذر له ; فلا يستحق التخفيف عنه ، ولأنه قد وجب عليه القصاص ، فإذا عفي عنه ; فإنه يتحمل الدية ; فداء عن نفسه ، وتجب عليه الدية حالة كسائر بدل المتلفات .
* وأما دية القتل شبه العمد ودية القتل الخطأ ، فإنهما يكونان على عاقلة القاتل ; لحديث أبي هريرة رضي الله عنه ; قال :
اقتتلت امرأتان من هذيل ، فرمت إحداهما الأخرى بحجر ، فقتلتها وما في بطنها ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية المرأة على عاقلتها متفق عليه ، فدل الحديث على أن دية شبه العمد تتحملها عاقلة القاتل .
وأما دية الخطأ ; فقال ابن المنذر : " أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أنها على العاقلة " ، وقال الموفق : " لا نعلم خلافا أنها على العاقلة " ، وكذا دية ما يجري مجرى الخطأ ، كانقلاب النائم على إنسان فيقتله ، وحفر البئر تعديا فيقع فيها إنسان فيموت .
وما ترتب على الفعل المأذون به شرعا من تلف ، فهو غير مضمون ; كما لو أدب الرجل ولده أو زوجته ، أو أدب سلطان أحدا من رعيته ، ولم يسرف واحد من هؤلاء في التأديب ، ومات المؤدب لم يجب شيء على المؤدب ; لأنه فعل ما له فعله شرعا ، ولم يتعد فيه ، فإن أسرف في التأديب ، فزاد فوق المعتاد ، فتلف المؤدب ; ضمنه ، لتعديه بالإسراف .
* وإن
كان التأديب لامرأة حامل ، فأسقطت حملها بسببه وجب على المؤدب ضمان الحمل بغرة عبد أو أمة ; لما في " الصحيحين " : أنه صلى الله عليه وسلم قضى في إملاص المرأة بعبد أو أمة وهو قول أكثر أهل العلم .
* ومن
أفزع حاملا فأسقطت جنينها بسبب ذلك كما لو طلبها سلطان ،  أو استعدى عليها رجل بالشرط ; وجب ضمان الجنين على من أفزعها ; لهلاكه بسببه ; لما روي عن عمر رضي الله عنه ; " أنه بعث إلى امرأة مغيبة كان يدخل عليها ، فقالت : يا ويلها ! ما لها ولعمر ؟ فبينما هي في الطريق ، إذ فزعت ، فضربها الطلق ، فألقت ولدا ، فصاح صيحتين ثم مات . فاستشار عمر - أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم : ليس عليك شيء . فقال علي : إن كانوا قالوا في هواك ; فلم ينصحوا لك ، إن ديته عليك ; لأنك أفزعتها فألقته "
* ومن أمر شخصا مكلفا أن ينزل بئرا أو يصعد شجرة ونحوها ، ففعل ، وهلك بسبب نزوله أو صعوده لم يضمنه الآمر ، لأنه لم يجن ولم يتعد عليه في ذلك .
فإن كان المأمور غير مكلف ; ضمنه الآمر ; لأنه تسبب في إتلافه .
ولو استأجر شخصا لنزول البئر وصعود الشجرة ، فمات بسبب ذلك ; لم يضمنه المستأجر ، لأنه لم يجن ولم يتعد .
* ومن
دعا من يحفر له بئرا بداره ، فمات بهدم لم يلقه عليه أحد فهو هدر ; لعدم التعدي عليه .
ومن ذلك ندرك مدى اهتمام الإسلام بحفظ الأرواح وحقن دماء الأبرياء .




باب في مقادير الديات

* مقادير ديات النفس تختلف باعتبار الإسلام والحرية والذكورة والأنوثة وكون الشخص المقتول موجودا للعيان أو حملا في البطن .
* وأكثرها مقدار دية الحر المسلم ، حيث تبلغ ألف مثقال من الذهب ، أو اثني عشر ألف درهم من الدراهم الإسلامية التي كل عشرة منها سبعة مثاقيل ، أو مائة من الإبل ، أو مائتي بقرة ، أو ألفي شاة ; لحديث أبي داود عن جابر رضي الله عنه :
فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل ، وعلى أهل البقر مائتي بقرة ، وعلى أهل الشاء ألفي شاة وعن عكرمة عن ابن عباس : أن رجلا قتل ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألف درهم رواه أبو داود وابن ماجه ، وفي كتاب عمرو بن حزم : على أهل الذهب ألف دينار رواه النسائي وغيره .
* قد اختلف أهل العلم ، هل هذه المذكورات أصول للدية ، بحيث إذا دفع من تلزمه واحدا منها ; يلزم الولي قبوله ، سواء كان ولي الجناية من أهل ذلك النوع أم لا ; لأنه أتى بالأصل في قضاء الواجب عليه . هذا قول جماعة من أهل العلم .
والقول الثاني أن الأصل هو الإبل فقط ، وهو قول جهور العلماء لقوله صلى الله عليه وسلم :
في النفس المؤمنة مائة من الإبل وقوله صلى الله عليه وسلم : ألا إن في قتيل عمد الخطأ مائة من الإبل ولأبي داود أن عمر قام خطيبا ، فقال : ( ألا إن الإبل قد غلت ; فقوِّم على أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل الورق اثني عشر ألفا ، وعلى أهل البقر مائتي بقرة ، وعلى أهل الشاء ألفي شاة ، وعلى أهل الحلل مائتي حلة ) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم غلَّظ في الإبل دية العمد ، وخفف بها دية الخطأ ، وأجمع على ذلك أهل العلم ; فهي الأصل .
وهذا القول هو الراجح ، وعليه ; فيكون ما عدا الإبل من الأصناف المذكورة يكون معتبرا بها من باب التقويم .
* وتغلظ الدية في قتل العمد وشبهه ، فتجعل المائة من الإبل أرباعا : خمس وعشرون بنت مخاض ، وخمس وعشرون بنت لبون ، وخمس وعشرون حقة ، وخمس وعشرون جذعة ; لما روى الزهري عن السائب بن يزيد ، قال :
كانت الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أرباعا : خمسا وعشرين جذعة ، وخمسا وعشرين حقة ، وخمسا وعشرين بنت لبون ، وخمسا وعشرين بنت مخاض فإن جاء بالإبل على هذا النمط ، لزم ولي الجناية أخذها ، وإن شاء دفع قيمتها حسب ما تساوي هذه الأصناف في كل عصر بحسبه .
* وتكون الدية في الخطأ مخففة ; بحيث تجعل المائة من الإبل خمسة أنواع : عشرون بنت مخاض ، وعشرون بنت لبون ، وعشرون حقة ، وعشرون جذعة ، وعشرون من بني مخاض ، هذه الأصناف أو قيمتها حسب ما تساوي في كل عصر بحسبه .
وبنت المخاض ما تم لها سنة ، وبنت اللبون ما تم لها سنتان ، والحقة ما تم لها ثلاث سنوات ، والجذعة ما تم لا أربع سنين .
* ودية الحر الكتابي سواء كان ذميا أو مستأمنا أو معاهَدا نصف دية المسلم ، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : أن النبى صلى الله عليه وسلم قضى بأن عقل أهل الكتاب نصف عقل المسلمين رواه أحمد وأبو داود وغيرهما .
* ودية المجوسي الذمي أو المعاهد أو المستأمن ودية الوثني المعاهد أو المستأمن : ثمانمائة درهم إسلامي ; لما روى ابن عدي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه مرفوعا : دية المجوسي ثمانمائة درهم وهو قول أكثر أهل العلم .
* ونساء أهل الكتاب والمجوس وعبدة الأوثان على النصف من دية ذكرانهم ; كما أن دية نساء المسلمين على النصف من دية ذكرانهم .
قال ابن المنذر : " أجمع أهل العلم على أن
دية المرأة نصف دية الرجل ، وفي كتاب عمرو بن حزم : " دية المرأة على النصف من دية الرجل " .
قال العلامة ابن القيم رحمه الله : " لما كانت المرأة أنقص من الرجل ، والرجل أنفع منها ، ويسد ما لا تسده المرأة من المناصب الدينية والولايات وحفظ الثغور والجهاد وعمارة الأرض وعمل الصنائع التي لا تتم مصالح العالم إلا بها ، والذب عن الدنيا والدين ; لم تكن قيمتهما مع ذلك متساوية ، وهي الدية ، فإن دية الحر جارية مجرى قيمة العبد وغيره من الأموال ; فاقتضت حكمة الشارع أن جعل قيمتها على النصف من قيمته ، لتفاوت ما بينهما " .
* ويستوي الذكر والأنثى فيما يوجب دون ثلث الدية لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا : " عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى تبلغ الثلث من ديته " أخرجه النسائي ، وقال سعيد بن المسيب : " إنه السنة " .
وقال الإمام ابن القيم : " وإن خالف فيه أبو حنيفة والشافعي وجماعة ، وقالوا : هي على النصف في القليل والكثير ، ولكن السنة أولى ، والفرق فيما دون الثلث وما زاد عليه ، أن ما دونه قليل ، فجبرت مصيبة المرأة فيه بمساواتها للرجل ، ولهذا استوى الجنين الذكر والأنثى في الدية ; لقلة ديته ، وهي الغرة ، فنزل ما دون الثلث منزلة الجنين . . . " انتهى .
* ودية القن قيمته ذكرا كان أو أنثى ، صغيرا أو كبيرا ، بالغة ما بلغت ، وهذا مجمع عليه إذا كانت قيمته دون دية الحر ، فإن بلغت دية الحر فأكثر ; فذهب أحمد في المشهور عنه ومالك والشافعي وأبو يوسف إلى أن فيه قيمته بالغة ما بلغت .
ويجب في الجنين ذكرا كان أو أنثى إذا سقط ميتا بسبب جناية على أمه عمدا أو خطأ غرة عبد أو أمة ، قيمتها خمس من الإبل ; لحديث أبي هريرة رضي الله عنه ; قال : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة متفق عليه .
وتورث الغرة عنه ، كأنه سقط حيا ; لأنها دية له ، وهو مذهب الجمهور ، وتقدر الغرة بخمس من الإبل ; أي : بعشر دية أمه .




                                      باب في ديات الأعضاء والمنافع

أولا : دية الأعضاء
* قال بعض العلماء : في الآدمي خمسة وأربعون عضوا ، وهذه الأعضاء منها ما في الإنسان منه شيء واحد ، ومنها ما في الإنسان منه اثنان فأكثر :
* فإذا تلف ما في الإنسان منه شيء واحد كالأنف واللسان والذكر ، ففيه دية تلك النفس التي قطع منها على التفصيل السابق ، سواء كان ذكرا أو أنثى ، حرا أو عبدا أو ذميا أو غيره ; لأن في إتلاف هذا العضو الذي لم يخلق الله في الإنسان منه إلا شيئا واحدا إذهاب منفعة الجنس ; فهو كإذهاب النفس ، فوجبت فيه دية النفس ، وهذا محل وفاق ، وفي حديث عمرو بن حزم أنه صلى الله عليه وسلم قال :
وفي الذكر الدية ، وفي الأنف إذا أوعب جدعا الدية ، وفي اللسان الدية رواه أحمد والنسائي واللفظ له ، وصححه أحمد وابن حبان والحاكم والبيهقي .
* وما في الإنسان منه شيئان ; كالعينين ، والأذنين ، والشفتين ، واللَّحْيين ( وهما العظمان اللذان فيهما الأسنان ) ، وثديي المرأة وثندوتي الرجل واليدين والرجلين والأنثيين ; في إتلاف الاثنين مما ذكر الدية كاملة ، وفي إتلاف أحدهما نصفها ، لأن فيهما منفعة وجمالا ، وليس في البدن غيرهما من جنسهما .
قال الموفق : " لا نعلم فيه مخالفا " .
وفي كتاب عمرو بن حزم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب له :
وفي الأنف إذا أوعب جدعا الدية ، وفي اللسان الدية ، وفي الشفتين الدية ، وفي البيضتين الدية ، وفي الصلب الدية ، وفي العينين الدية ، وفي الرجل الواحدة نصف الدية
قال ابن عبد البر رحمه الله : " كتاب عمرو بن حزم معروف عند العلماء ، وما فيه متفق عليه ; إلا قليلا " .
* وما في الإنسان منه ثلاثة أشياء : إذا أتلفها جميعا ; ففيها دية كاملة ، وفي الواحد منها ثلث الدية ، وذلك كالأنف ; فإنه يشمل ثلاثة أشياء هي : المنخران والحاجز بينهما ، فتوزع الدية عليها كما توزع الأصابع .
* وما في الإنسان منه أربعة أشياء ; ففيها جميعا إذا أتلفت دية كاملة ، وفي الواحد منها ربع الدية ، وذلك كالأجفان الأربعة ; لأن فيها جمالا ظاهرا ونفعا كاملا ; حيث تكن العين ، وتحفظها من الحر والبرد ، فوجبت فيها الدية ، وفي بعضها بقدره .
* وفي أصابع اليدين الدية كاملة ، وكذا أصابع الرجلين دية كاملة إذا قطعت جميعا ، وفي كل أصبع عشر الدية ; لحديث ابن عباس مرفوعا :
دية أصابع اليدين والرجلين عشر من الإبل لكل أصبع رواه الترمذي وصححه ، وللبخاري عنه مرفوعا : هذه وهذه سواء ( يعني : الخنصر والإبهام ) فدل الحديثان على وجوب الدية في أصابع اليدين والرجلين ، وأن في كل أصبع عشرها .
* وفي كل أنملة من أصابع اليدين والرجلين ثلث عشر الدية ; لأن في كل إصبع ثلاثة مفاصل ، فتقسم دية الإصبع على عددها ، كما قسمت دية اليد على الأصابع بالسوية ، والإبهام فيه مفصلان ، في كل مفصل منهما نصف عشر الدية لما سبق .
* وفي كل سن نصف عشر الدية ( خمس من الإبل ) ; لحديث عمرو بن حزم مرفوعا :
وفي السن خمس من الإبل رواه النسائي .
قال الموفق : " لا نعلم خلافا في أن دية الأسنان خمس خمس في كل سن " .
ثانيا : دية المنافع
* وأما المنافع ; فالمراد بها منافع تلك الأعضاء المذكورة ; كالسمع ، والبصر ، والشم ، والكلام ، والمشي ، فكل عضو له منفعة خاصة .
* ومن ذلك الحواس الأربع ، وهي : السمع ، والبصر ، والشم ، والذوق ، ففي كل حاسة منها إذا ذهبت بسبب الجناية دية كاملة .
قال ابن المنذر : " أجمع عوام أهل العلم على أن في السمع الدية " .
وقال الموفق : " لا خلاف في وجوب الدية بذهاب السمع " .
وفي كتاب عمرو بن حزم :
" وفي المشام الدية "
ولقضاء عمر رضي الله عنه في رجل ضرب رجلا فذهب سمعه وبصره ونكاحه وعقله بأربع ديات والرجل حي ولا يعرف له مخالف من الصحابة .
* وتجب الدية كاملة في إذهاب كل من الكلام والعقل والمشي والأكل والنكاح وعدم استمساك البول والغائط ; لأن في كل واحدة من هذه منفعة كبيرة ، ليس في البدن مثلها .
* ويجب في كل واحد من الشعور الأربعة الدية كاملة ، وهي شعر الرأس وشعر اللحية وشعر الحاجبين وأهداب العينين ، وفي الحاجب الواحد نصف الدية ، وفي الهدب الواجب ربع الدية ; لأن الدية تتوزع عليها بعددها .
ومن هنا نعلم ما للحية في الإسلام من احترام وقيمة ، حيث أوجب في إتلافها دية كاملة ، وذلك لعظيم منفعتها وجمالها ووقارها ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتوفيرها وإكرامها ، ونهى عن حلقها وقصها والتعدي عليها ; فتبا لقوم حاربوها واعتدوا عليها بحلقها وإزالتها من وجوههم تشبها بالنساء وتشبها بالكفار والمنافقين وتحولا من الرجولة والشهامة إلى الميوعة . . . وهكذا .
يقضى على المرء في أيام محنته                    حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن
فيجب على هؤلاء أن يراجعوا رشدهم ، ويحكموا عقولهم ، ويطيعوا رسولهم صلى الله عليه وسلم ، ويوفروا لحاهم التي خلقها الله جمالا لهم وعلامة على رجولتهم .



باب في كفارة القتل

الكفارة سميت بذلك اشتقاقا من الكفر ، وهو الستر ، لأنها تستر الذنب
والدليل على وجوب كفارة القتل الكتاب والسنة والإجماع .
- قال الله تعالى :
وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا إلى قوله تعالى : فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
- وروى أبو داود والنسائي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في القاتل :
أعتقوا عنه ، يعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار
وإنما تجب الكفارة في قتل الخطأ وشبه العمد ، وأما القتل العمد العدوان ، فلا كفارة فيه ، لقوله تعالى :
وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ولم يذكر فيه كفارة ; وروي أن سويد بن الصامت قتل رجلا ، فأوجب النبي صلى الله عليه وسلم عليه القود ، ولم يوجب كفارة ، وعمرو بن أمية الضمري قتل رجلين عمدا ، فوداهما النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يوجب عليه كفارة ، ولأن الكفارة وجبت في الخطأ لتمحو إثمه ; لكونه لا يخلو من تفريط ; فلا تلزم في موضع عظم الإثم فيه ; بحيث لا يرتفع بها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " لا كفارة في قتل العمد ، ولا في اليمين الغموس ، وليس ذلك تخفيفا عن مرتكبها " .
وذكر موفق الدين ابن قدامة وغيره : " أن القتل الخطأ لا يوصف بتحريم ولا إباحة ; لأنه كقتل المجنون ، لكن النفس الذاهبة به معصومة محرمة ، فلذلك وجبت الكفارة فيها . .. انتهى .
ومعناه أن
الحكمة في تشريع الكفارة في القتل الخطأ ترجع إلى أمرين :
الأمر الأول : أن الخطأ لا يخلو من تفريط من القاتل ،
الأمر الثاني : النظر إلى حرمة النفس الذاهبة به .
وأما العمد ; فلا تجب فيه الكفارة ; لأن إثمه لا يرتفع بالكفارة ; لعظمه وشدته ، لكن القاتل عمدا إذا تاب إلى الله تعالى ، ومكن من نفسه ; ليقتص منه ; فإن ذلك يخفف عنه الإثم ، فيسقط عنه حق الله بالتوبة ، وحق الأولياء بالقصاص أو العفو عنه ، ويبقى حق القتيل يرضيه الله بما شاء ، هذا معنى ما قرره العلامة ابن القيم في كتابه " الجواب الكافي " .
فمن قتل نفسا محرمة ، ولو كان مملوكه ، أو كان كافرا معاهدا أو مستأمنا ، مولودا أو جنينا بأن ضرب بطن حامل فألقت جنينا ميتا ، من قتل واحدا من هؤلاء ; وجبت عليه الكفارة ، لعموم قوله تعالى :
وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
وسواء انفرد بقتل النفس أو شارك في ذلك غيره ، وسواء كان القتل بمباشرة أو تسبب ; كمن حفر بئرا متعديا في حفرها ، أو نصب سكينا . .. ونحو ذلك من كل فعل نتج عنه وفاة شخص .
قال الموفق : " يلزم كل واحد من شركائه كفارة ، هذا قول أكثر أهل العلم . منهم مالك والشافعي وأصحاب الرأي " انتهى .
وتجب الكفارة على القاتل ، سواء كان كبيرا أو صغيرا أو مجنونا ، وسواء كان حرا أو عبدا ; لعموم الآية .
والكفارة عتق رقبة مؤمنة ، فإن لم يجد ; فصيام شهرين متتابعين ، ولا يجزئ الإطعام فيها ، فإذا لم يستطع الصوم ; بقي في ذمته ، ولا يجزئ عنه الإطعام ; لأنه تعالى لم يذكره ، والأبدال في الكفارات تتوقف على النص دون القياس .
ويكفر العبد بالصوم ; لأنه لا مال له يعتق منه .
وإن كان القاتل مجنونا أو صغيرا ، كفر عنه وليه بعتق ; لعدم إمكان الصوم منهما ، ولا تدخله النيابة ، وقد وجبت الكفارة على كل منهما ; لأنه حق مالي يتعلق بالقتل أشبه الدية ، ولأنها عبادة مالية أشبهت الزكاة .
وتتعدد الكفارة بتعدد القتل كتعدد الدية لتعدد القتل ، فلو قتل عدة أشخاص ; وجبت عليه عدة كفارات بعددهم .
وإن كان القتل مباحا - كقتل الباغي والمرتد والزاني المحصن والمقتول قصاصا أو حدا - أو لأجل الدفاع عن النفس ; فلا كفارة في ذلك كله ، لعدم حرمة المقتول .
* تنبيه : أداء كفارة القتل مما يتساهل فيه بعض الناس اليوم ، خصوصا في حوادث السيارات التي تذهب فيها أنفس كثيرة ، فقد يستثقل من تحمل المسئولية في ذلك الصيام ، ولا سيما إذا تعددت عليه الكفارات ; فلا يصوم ، وتبقى ذمته مشغولة ، كما أن هناك ظاهرة أخرى ; وهي أن عاقلة القاتل لا تتحمل دية الخطأ ، وإن تحمل أحد منهم شيئا منها ; فإنه يظنه من باب التبرع ، ولذلك نرى بعض من حصل منهم القتل الخطأ يسألون الناس سداد الدية ، وهذا تعطيل لحكم شرعي عظيم ، أدى إلى جهل الكثير به ، وربما يكون بعض المتسولين  باسم تلك الغرامة متحيلا ، فيجب الأخذ على يده وردعه - عن أكل المال بالباطل والتحيل بواسطة حمل بعضهم صور صكوك غير شرعية ولا حقيقية ، وقد يكون مضى عليها حين طويل من الدهر .

كتاب الحدود والتعزيرات

باب في أحكام الحدود






                                              باب في حد القذف


عرف الفقهاء رحمهم الله القذف بأنه الرمي بزنى أو لواط ، وهو في الأصل الرمي بقوة ، ثم استعمل في الرمي بالزنى واللواط .
وهو محرم بالكتاب والسنة والإجماع .
قال تعالى : وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ هذه عقوبة القاذف العاجلة في الدنيا : الجلد ، ورد شهادته ، واعتباره فاسقا ناقصا سافلا إذا لم يثبت ما قال ، وأما عقوبته في الآخرة ; فقد بينها الله تعالى بقوله إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اجتنبوا السبع الموبقات وعد منها قذف المحصنات الغافلات المؤمنات .
وقد أجمع المسلمون على تحريم القذف ، وعدوه من الكبائر .
وقد أوجب الله الحد الرادع على القاذف ، فإذا قذف المكلف المختار محصنا بزنى أو لواط ، فإنه يجلد ثمانين جلدة ; لقوله تعالى : وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ومعنى الآية الكريمة : إن الذين يقذفون بالزنا المحصنات الحرائر العفائف العاقلات ، ثم لم يأت هؤلاء القذفة بأربعة شهداء على ما رموهن به ; فاجلدوهم ثمانين جلدة ، ولا فرق بين كون المقذوف ذكرا أو أنثى ، وإنما خص النساء بالذكر ; لخصوص الواقعة ، ولأن قذف النساء أشنع وأغلب .
وإنما استحق القاذف هذه العقوبة صيانة لأعراض المسلمين عن التدنيس ، ولأجل كف الألسن عن هذه الألفاظ القذرة التي تلطخ أعراض الأبرياء ، وصيانة للمجتمع الإسلامي عن شيوع الفاحشة فيه .
والمحصن الذي يجب الحد بقذفه هو الحر المسلم العاقل العفيف الذي يجامع مثله .
قال ابن رشد : " اتفقوا على أن من شروط المقذوف أن يجتمع فيه خمسة أوصاف : البلوغ ، والحرية ، والعفاف ، والإسلام ، وأن يكون معه آلة الزنى ، فإن انخرم من هذه الأوصاف وصف ; لم يجب الحد " .
وحد القذف حق للمقذوف ; يسقط بعفوه ، ولا يقام إلا بطلبه فإذا عفا المقذوف عن القاذف ; سقط الحد عنه ، ولكنه يعزر بما يردعه عن التمادي في القذف المحرم المتوعد عليه باللعن والعذاب الأليم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " لا يحد القاذف إلا بالطلب إجماعا " انتهى .
ومن قذف غائبا لم يحد حتى يحضر المقذوف ويطالب أو تثبت مطالبته بذلك في غيبته .

وألفاظ القذف تنقسم إلى قسمين

ألفاظ صريحة لا تحتمل غير القذف ; فلا يقبل منه تفسيره لغير القذف .
وألفاظ كنايات تحتل القذف وغيره ، فإذا فسرها بغير القذف ، قبل منه .
فالألفاظ الصريحة ، مثل قوله : يا زاني ! يا لوطي ! يا عاهر ! وكنايته مثل :  يا قحبة ! يا فاجرة ! يا خبيثة ! فإذا قال القاذف : أردت بالقحبة أنها تتصنع للفجور ، أو قال : أردت بالفاجرة أنها مخالفة لزوجها فيما يجب طاعته فيه ، وأردت بالخبيثة أنها خبيثة الطبع ; قبل منه هذا التفسير ، ولم يجب عليه حدة لأن لفظه يحتمل ، والحدود تدرأ بالشبهات .
وإذا قذف جماعة لا يتصور منهم الزنى أو قذف أهل بلد لم يحد ; وإنما يعزر بذلك ; لأنه مقطوع بكذبه ، فلا عار عليهم بذلك ، وإنما يعزر لأجل تجنب هذه الألفاظ القبيحة والشتائم البذيئة ، وذلك معصية يجب تأديبه عليها ، ولو لم يطالبه أحد منهم .
ومن قذف نبيا من الأنبياء كفر ، لأن ذلك ردة عن الإسلام .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "
وقذف نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، أي : كقذف النبي صلى الله عليه وسلم في الحكم بردة القاذف " .
وقال الشيخ في القاذف إذا تاب قبل علم المقذوف هل تصح توبته الأشبه أنه يختلف باختلاف الناس ، وقال أكثر العلماء : إن علم به المقذوف ; لم تصح توبته ، وإلا ; صحت ، ودعا له ، واستغفر . .. " انتهى .
ومن هذا يتبين لنا خطر اللسان ، وما يترتب على ألفاظه من مؤاخذات ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم وقال تعالى : مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ فيجب على الإنسان أن يحفظ لسانه ، ويزن ألفاظه ، ويسدد أقواله ، قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا



باب في حد المسكر

المسكر : اسم فاعل من أسكر الشراب فهو مسكر ، إذا جعل صاحبه سكران ، والسكران خلاف الصاحي ، والسكر في الاصطلاح هو اختلاط العقل .
- * والخمر محرم بالكتاب والسنة والإجماع :
- قال الله تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ والخمر كل ما خامر العقل أي غطاه من أي مادة كان .
وفي الصحيحين وغيرهما :
كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام كل شراب أسكر فهو حرام فكل شراب أسكر كثيره ; فقليله حرام ، وهو خمر ، من أي شيء كان ، سواء كان من عصير العنب أو من غيره .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : الخمر ما خامر العقل فكل شيء يستر العقل يسمى خمرا ; لأنها سميت بذلك ، لمخامرتها للعقل ; أي : سترها له .
وهذا قول جمهور أهل اللغة .
* قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله : " والحشيشة نجسة في الأصح ، وهي حرام ، سواء سكر منها أم لم يسكر ، والمسكر منها حرام باتفاق المسلمين ، وضررها من بعض الوجوه أعظم من ضرر الخمر ، وظهورها في المائة السادسة " انتهى كلامه .
وهذه
الحشيشة وسائر المخدرات من أعظم ما يفتك اليوم بشباب المسلمين ، وهي أعظم سلاح يصدره الأعداء ضدنا ، ويروجها المفسدون في الأرض من اليهود وعملائهم ; ليفتكوا بالمسلمين ، ويفسدوا شبابهم ، ويعطلوهم عن الاتجاه للعمل لمجتمعاتهم والجهاد لدينهم وصد عدوان المعتدين على شعوبهم وبلادهم ، حتى أصبح كثير من شباب المسلمين مخدرين ، عالة على مجتمعهم ، أو يعيشون رهن السجون ، كل ذلك من آثار رواج تلك المخدرات والمسكرات في بلاد المسلمين ; فلا حول ولا قوة . إلا بالله العلي العظيم .
والخمر حرام بأي حال ، لا يجوز شربه ، لا لذة ولا لتداو ولا لعطش ولا غيره :
أما تحريم
التداوي بالخمر فلقوله صلى الله عليه وسلم : إنه ليس بدواء ، ولكنه داء رواه مسلم . وقال ابن مسعود رضي الله عنه : إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم
- أما تحريم شربه لدفع العطش ; فلأنه لا يحصل به ري ، بل فيه من الحرارة ما يزيد العطش .
وإذا شرب المسلم خمرا أو شرب ما خلط به كالكولونيا ونحوها من الأطياب التي فيها كحول تسكر ، متى شرب المسلم شيئا من ذلك مختارا عالما أن كثيره يسكر ; فإنه يجب أن يقام عليه الحد ; لقوله صلى الله عليه وسلم : من شرب الخمر ، فاجلدوه رواه أبو داود وغيره .
ومقدار حد الخمر ثمانون جلدة لأن عمر استشار الناس في حد الخمر ، فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : اجعله كأخف الحدود ثمانين . فضرب عمر ثمانين ، وكتب إلى خالد وأبي عبيدة في الشام رواه الداراقطني وغيره وكان هذا بمحضر المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم ، فلم  ينكره أحد منهم .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله : " الحق أن عمر حد الخمر بحد القذف ، وأقره الصحابة "
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " حد الشرب ثابت بالسنة وإجماع المسلمين أربعون ، والزيادة يفعلها الإمام عند الحاجة إذا أدمن الناس الخمر وكانوا لا يرتدعون بدونها " .
وقال : " الصحيح أن الزيادة على الأربعين إلى الثمانين ليست واجبة على الإطلاق ، ولا محرمة على الإطلاق ، بل يرجع فيها إلى اجتهاد الإمام ، كما جوزنا له الاجتهاد في صفة الضرب فيه . .. " انتهى .
ويثبت حد الخمر بإقرار الشارب أو بشهادة عدلين  .
واختلف العلماء : هل يثبت حد الخمر على من وجدت فيه رائحتها على قولين : فقيل : لا يحد بل يعزر ، وقيل : يقام عليه الحد إذا لم يدع شبهة ، وهو رواية عن أحمد وقول مالك واختيار الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله .
قال شيخ الإسلام : " من قامت عليه شواهد الحال بالجناية كرائحة الخمر أولى بالعقوبة ممن قامت عليه شهادة به أو إخباره عن نفسه التي تحتمل الصدق والكذب ، وهذا متفق عليه بين الصحابة " .
وقال ابن القيم رحمه الله : " حكم عمر وابن مسعود بوجوب الحد برائحة الخمر في الرجل أو غيره ، ولم يعلم لهما مخالف " . انتهى .
وخطر الخمر عظيم ، وهي مطية الشيطان التي يركبها للإضرار بالمسلمين ; إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ
والخمر أم الخبائث ، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم فيها عشرة ، حيث قال : لعن الله الخمر ، وشاربها ، وساقيها ، وبائعها ، ومبتاعها ، وعاصرها ، ومعتصرها ، وحاملها ، والمحمولة إليه فيجب على المسلمين أن يقفوا في مقاومتها موقف الحزم والشجاعة ; بحسم مادتها ، وعقوبة من يتعاطاها أو يروجها بالعقوبة الرادعة ; فإنها تجر إلى كل شر ، وتوقع في كل رذيلة ، وتثبط عن كل خير ، كفى الله المسلمين شرها وخطرها .
وقد ورد في الحديث أن قوما في آخر الزمان يستحلونها ، وقد يسمونها بغير اسمها ، ويشربونها ; فيجب على المسلمين أن يكونوا حذرين متيقظين لأولئك الأشرار .



باب في حد السرقة

قال تعالى : وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
وقال النبي صلى الله عليه وسلم :
تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا
وأجمع المسلمون على وجوب قطع يد السارق في الجملة .
والسارق عنصر فاسد في المجتمع ، إذا ترك ، سرى فساده في جسم الأمة ; فلا بد من حسمه بتطبيق الحد المناسب لردعه ، ومن ثم شرع الله سبحانه وتعالى قطع يده ، تلك اليد الظالمة التي امتدت إلى ما لا يجوز لها الامتداد إليه ، تلك اليد التي تهدم ولا تبني ، تأخذ ولا تعطي .
والسرقة هي : أخذ مال على وجه الاختفاء من مالكه أو نائبه ، إذا كان هذا الآخذ ملتزما لأحكام الإسلام ، وكان المال المأخوذ بلغ النصاب ، وقد أخذه من حرز مثله ، وكان مالك المال المأخوذ معصوما ، ولا شبهة للآخذ منه .
فلا بد أن يستجمع السارق والمسروق منه والمال المسروق وكيفية السرقة أوصافا محددة تضمنها هذا التعريف ، متى اختل وصف منها ، انتفى القطع ، وهذه الأوصاف هي :
أن يكون الأخذ على وجه الخفية ، فإن لم يكن على وجه الخفية ; فلا قطع ; كما لو انتهب المال على وجه الغلبة والقهر على مرأى من الناس ، أو اغتصبه ; لأن صاحب المال حينئذ يمكنه طلب النجدة والأخذ على يد الغاشم والغاصب .
قال الإمام ابن القيم : " إنما قطع السارق دون المنتهب والمغتصب لأنه لا يمكن التحرز منه ، فإنه ينقب الدور ويهتك الحرز ويكسر القفل ، فلو لم  يشرع قطعه ; لسرق الناس بعضهم بعضا ، وعظم الضرر ، واشتدت المحنة انتهى .
وقال صاحب " الإفصاح " : اتفقوا على أن المختلس والمنتهب والغاصب على عظم جنايتهم وآثامهم لا قطع على واحد منهم ، ويسوغ كف عدوان هؤلاء بالضرب والنكال والسجن الطويل والعقوبة الرادعة .
ومن الأوصاف التي توجب القطع في السرقة أن يكون المسروق مالا محترما ; لأن ما ليس بمال لا حرمة له ; كآلة اللهو والخمر والخنزير والميتة ، وما كان مالا ، لكنه غير محترم ، لكون مالكه كافرا حربيا ، فلا قطع فيه ; لأن الكافر الحربي حلال الدم والمال .
ومن الأوصاف التي يجب توافرها في القطع في السرقة : أن يكون المسروق نصابا ، وهو ثلاثة دراهم إسلامية ، أو ربع دينار إسلامي ، أو ما يقابل أحدهما من النقود الأخرى ، أو أقيام العروض المسروقة في كل زمان بحسبه ، لقوله صلى الله عليه وسلم : لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدا رواه أحمد ومسلم وغيرهما ، وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم .
وفي تخصيص القطع بهذا القدر حكمة ظاهرة ، فإن هذا القدر يكفي المقتصد في يومه له ولمن يمونه غالبا ; فانظر كيف تقطع اليد في سرقة ربع دينار مع أن ديتها لو جنى عليها خمس مائة دينار ، لأنها لما كانت أمينة كانت ثمينة ، ولما خانت هانت ، ولهذا لما اعترض بعض الملاحدة - وهو المعري - بقوله :
يد بخمس مئين عسجد وديت             ما بالها قطعت في ربع دينار
أجابه بعض العلماء بقوله :
عز الأمانة أغلاها وأرخصها               ذل الخيانة فافهم حكمة الباري
ومن الأوصاف التي يجب توافرها للقطع في السرقة : أن يأخذ المسروق من حرز ; وحرز المال ما العادة حفظه فيه ; لأن الحرز معناه الحفظ ، والحرز يختلف باختلاف الأموال والبلدان وعدل السلطان وجوره وقوته وضعفه ; فالأموال الثمينة حرزها في الدور والدكاكين والأبنية الحصينة وراء الأبواب والأغلاق الوثيقة ، وما دون ذلك حرزه بحسبه على عادة البلد ، فإن سرقه من غير حرز ، كما لو وجد بابا مفتوحا ، أو حرزا مهتوكا ، فأخذ منه ; فلا قطع عليه .
ولا بد أن تنتفي الشبهة عن السارق فيما أخذ ، فإن كان له شبهة يظنها تسوغ له الأخذ ; لم يقطع ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ادرءوا الحدود بالشبهات ما استطعتم فلا قطع عليه بسرقته من مال أبيه ولا بسرقته من مال ولده ; لأن نفقة كل منهما تجب في مال الآخر ، وذلك شبهة تدرأ عنه الحد ، وهكذا كل من له استحقاق في مال ، فأخذ منه ; فلا قطع عليه ، لكن يحرم عليه هذا الفعل ، ويؤدب عليه ، ويرد ما أخذ .
ولا بد مع توافر ما سبق من الصفات من ثبوت السرقة إما بشهادة عدلين يصفان كيفية السرقة وحرزها وقدر المسروق وجنسه ; لتزول الاحتمالات والشبهات ، وإما بإقرار السارق مرتين على نفسه بالسرقة ; لما روى أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم أتي بلص قد اعترف ، فقال له : ما إخالك سرقت قال : بلى . فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا ، فأمر به ، فقطع
ولا بد في إقراره أن يصف السرقة ، ليندفع احتمال أنه يظن القطع فيما لا قطع فيه ، وليعلم توافر شروط أو عدم توافرها .
ولا بد أن يطالب المسروق منه بماله ، فلو لم يطالب لم يجب القطع لأن المال يباح بإباحة صاحبه وبذله له ، فإذا لم يطالب ; احتمل أنه سمح به له ، وذلك شبهة تدرأ الحد .
وإذا وجب القطع لتكامل شروطه ; قطعت يده اليمنى لقراءة ابن مسعود في قوله تعالى فاقطعوا أيمانهما ومحل القطع من مفصل الكف لأن اليد آلة السرقة فعوقب بإعدام آلتها واقتصر القطع على الكف ; لأن اليد إذا أطلقت انصرفت إليه وبعد قطعها يعمل لها ما يحسم الدم ويندمل به الجرح من أنواع العلاج المناسبة في كل زمان بحسبه .



باب في حد قطاع الطريق

الله سبحانه يريد للمسلمين أن يسيروا في أرضه آمنين ; لتبادل مصالحهم ، وتنمية أموالهم ، وصلة الرحم فيما بينهم ، وتعاونهم على البر والتقوى ، ولا سيما السفر إلى بيته العتيق ; لأداء شعيرة الحج والعمرة .
فمن أراد أن يعوق سيرهم ، أو يسد طريقهم ، أو يخوفهم في أسفارهم . فقد شرع له حدا رادعا ، يزيل هذا العائق ، ويميط الأذى عن الطريق ، قال تعالى : إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
والمراد بالمحاربين الذين يسعون في الأرض فسادا : قطاع الطريق وهم الذين يعرضون للناس في الصحراء أو البنيان ، فيغصبونهم المال مجاهرة لا سرقة .
ويشترط لتطبيق الحد عليهم أن يبلغ ما أخذوه نصاب السرقة ، وأن يأخذوه من حرز ، بأن يأخذوا المال من يد صاحبه وهو في القافلة ، وأن يثبت قطعهم للطريق بإقرارهم أو بشهادة عدلين .
وحدهم يختلف باختلاف جرائمهم :
فمن قتل منهم وأخذ المال ; قتل حتما وصلب حتى يشتهر أمره ، ولا يجوز العفو عنه بإجماع العلماء . كما حكاه ابن المنذر .
ومن قتل ولم يأخذ المال ; قتل حتما ولم يصلب .
ومن أخذ المال ، ولم يقتل . قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى في مقام واحد ، وحسمت عن النزيف ، ثم خلي .
ومن أخاف السبيل فقط ، ولم يقتل ، ولم يأخذ مالا ; نفي من الأرض ; بأن يشرد ; فلا يترك يأوي إلى بلد ، بل يطارد .
فتختلف عقوبتهم باختلاف جرائمهم ، لقوله تعالى : إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ فهذه الآية نزلت في قطاع الطريق عند أكثر السلف ، وهي الأصل في حكمهم .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : إذا قتلوا وأخذوا المال ; قتلوا وصلبوا ، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال ; قتلوا ولم يصلبوا ، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا ، قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف ، واذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا - مالا ; نفوا من الأرض رواه الشافعي .
ولو قتل بعضهم ; ثبت حكم القتل عليهم جميعا ، وإن قتل بعضهم وأخذ المال بعضهم . قتلوا جميعا وصلبوا .
ومن تاب منهم قبل القدرة عليه ، سقط عنه ما كان واجبا لله تعالى من نفي عن البلد وقطع يد ورجل وتحتم قتل ، وأخذ بما للآدميين من الحقوق من نفس وطرف ومال ; إلا أن يعفى له عنها من مستحقيها ; لقوله تعالى : إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " اتفقوا على أن قاطع الطريق واللص ونحوهما إذا رفعوا إلى ولي الأمر ، ثم تابوا . بعد ذلك ; لم يسقط الحد عنهم ; بل تجب إقامته ، وإن تابوا ، وإن كانوا صادقين في التوية .



باب في قتال أهل البغي

قال الله تعالى : وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ فأوجب تعالى في هذه الآية الكريمة على المؤمنين قتال الباغين إذا لم يقبلوا الصلح .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : من أتاكم ، وأمركم جميع على رجل واحد ، يريد أن يفرق جماعتكم ; فاقتلوه رواه مسلم .
وقال صلى الله عليه وسلم :
من خرج على أمتي وهم جميع ، فاضربوا عنقه بالسيف ، كائنا من كان رواه مسلم أيضا .
وأجمع الصحابة على قتال الباغي .
والبغي في الأصل معناه الجور والظلم والعدول عن الحق ; فأهل البغي هم أهل الجور والظلم والعدول عن الحق ومخالفة ما عليه أئمة المسلمين ، ذلك أنه لا بد سليمان من جماعة وإمام ، قال تعالى : وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وقال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ وقال النبي صلى الله عليه وسلم : أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة ، وإن تأمر عليكم عبد وهذا من الضروريات ; لأن بالناس حاجة إلى ذلك ; لحماية البيضة ، والذب عن الحوزة ، واقامة الحدود ، واستيفاء الحقوق ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر . ..
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين ، بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها ; فإن بني آدم لا تتم مصالحهم إلا باجتماع الجماعة بعضهم إلى بعض ، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس ، وقد أوجبه الشارع في الاجتماع القليل العارض ; تنبيها بذلك على أنواع الاجتماع " -
وقال رحمه الله : " من المعلوم أن الناس لا يصلحون إلا بولاة ، ولو تولى من الظلمة ، فهو خير لهم من عدمهم ; كما يقال : سنة من إمام جائر خير من ليلة بلا إمارة . .. ، انتهى .
فإذا خرج على الإمام قوم لهم شوكة ومنعة بتأويل مشتبه يريدون خلعه أو مخالفته وشق عصا الطاعة وتفريق الكلمة ; فهم بغاة ظلمة ; فيجب على الإمام أن يراسلهم فيسألهم عما ينقمون عليه ، فإن ذكروا مظلمة ، أزالها ، وإن ادعوا شبهة ; كشفها ; لقوله تعالى : فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا
والإصلاح إنما يكون بذلك ، فإن كان ما ينقمون منه مما لا يحل فعله ، أزاله ، وإن كان حلالا ، لكن التبس عليهم ، فاعتقدوا أنه مخالف للحق ، بين لهم دليله ، وأظهر لهم وجهه ، فإن فاءوا ورجعوا إلى الحق والتزموا الطاعة ; تركهم ، وإن لم يرجعوا ، قاتلهم وجوبا ، وعلى رعيته معونته ; لقوله تعالى : فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فيجب قتالهم حتى يندفع شرهم ; وتطفأ فتنتهم . -
ويتجنب في قتالهم الأمور التالية :

باب في قتال أهل البغي

قال الله تعالى : وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ فأوجب تعالى في هذه الآية الكريمة على المؤمنين قتال الباغين إذا لم يقبلوا الصلح .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : من أتاكم ، وأمركم جميع على رجل واحد ، يريد أن يفرق جماعتكم ; فاقتلوه رواه مسلم .
وقال صلى الله عليه وسلم :
من خرج على أمتي وهم جميع ، فاضربوا عنقه بالسيف ، كائنا من كان رواه مسلم أيضا .
وأجمع الصحابة على قتال الباغي .
والبغي في الأصل معناه الجور والظلم والعدول عن الحق ; فأهل البغي هم أهل الجور والظلم والعدول عن الحق ومخالفة ما عليه أئمة المسلمين ، ذلك أنه لا بد سليمان من جماعة وإمام ، قال تعالى : وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وقال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ وقال النبي صلى الله عليه وسلم : أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة ، وإن تأمر عليكم عبد وهذا من الضروريات ; لأن بالناس حاجة إلى ذلك ; لحماية البيضة ، والذب عن الحوزة ، واقامة الحدود ، واستيفاء الحقوق ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر . ..
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين ، بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها ; فإن بني آدم لا تتم مصالحهم إلا باجتماع الجماعة بعضهم إلى بعض ، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس ، وقد أوجبه الشارع في الاجتماع القليل العارض ; تنبيها بذلك على أنواع الاجتماع " -
وقال رحمه الله : " من المعلوم أن الناس لا يصلحون إلا بولاة ، ولو تولى من الظلمة ، فهو خير لهم من عدمهم ; كما يقال : سنة من إمام جائر خير من ليلة بلا إمارة . .. ، انتهى .
فإذا خرج على الإمام قوم لهم شوكة ومنعة بتأويل مشتبه يريدون خلعه أو مخالفته وشق عصا الطاعة وتفريق الكلمة ; فهم بغاة ظلمة ; فيجب على الإمام أن يراسلهم فيسألهم عما ينقمون عليه ، فإن ذكروا مظلمة ، أزالها ، وإن ادعوا شبهة ; كشفها ; لقوله تعالى : فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا
والإصلاح إنما يكون بذلك ، فإن كان ما ينقمون منه مما لا يحل فعله ، أزاله ، وإن كان حلالا ، لكن التبس عليهم ، فاعتقدوا أنه مخالف للحق ، بين لهم دليله ، وأظهر لهم وجهه ، فإن فاءوا ورجعوا إلى الحق والتزموا الطاعة ; تركهم ، وإن لم يرجعوا ، قاتلهم وجوبا ، وعلى رعيته معونته ; لقوله تعالى : فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فيجب قتالهم حتى يندفع شرهم ; وتطفأ فتنتهم . -
ويتجنب في قتالهم الأمور التالية :
أولا  : يحرم قتالهم بما يعم ; كالقذائف المدمرة .
ثانيا : يحرم قتل ذريتهم ومدبرهم وجريحهم ومن ترك القتال منهم .
ثالثا : من أسر منهم ; حبس حتى تخمد الفتنة .
رابعا: لا تغنم أموالهم ; لأنها كأموال غيرهم من المسلمين ، لا يجوز اغتنامها ; لبقاء ملكهم عليها ، وبعد انقضاء القتال وخمود الفتنة من وجد منهم ماله بيد غيره ; أخذه ، وما تلف منه حال الحرب ; فهو هدر ، ومن قتل من الفريقين في الحرب غير مضمون .
قال الزهري : " هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون ، فأجمعوا أنه لا يقاد أحد ، ولا يؤخذ مال على تأويل القرآن ; إلا ما وجد بعينه " انتهى .
وقال في الإفصاح : " اتفقوا على أن ما يتلفه أهل العدل على أهل البغي ; فلا ضمان فيه ، وما يتلفه أهل البغي كذلك " .
وإن اقتتلت طائفتان من المسلمين ، ولم تكن واحدة منهما في طاعة الإمام ، بل لعصبية بينهما ، أو طلب رئاسة ، فهما ظالمتان ; لأن كلا منهما باغية على الأخرى ; حيث لا ميزة لواحدة منهما ، فتضمن كل واحدة منهما ما أتلفته على الأخرى ، وإن كانت إحداهما تقاتل بأمر الإمام . فهي محقة ، والأخرى باغية كما سبق .
وإن أظهر قوم رأي الخوارج كتكفير مرتكبي الكبيرة ، واستحلال دماء المسلمين ، وسب الصحابة ; فإنهم يكونون خوارج بغاة فسقة ، فإن أضافوا إلى ذلك الخروج عن قبضة إمام المسلمين ; وجب قتالهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الخوارج : " أهل السنة متفقون على أنهم مبتدعة ، وأنه يجب قتالهم بالنصوص الصحيحة ، بل قد اتفق الصحابة على قتالهم ، ولا خلاف بين علماء السنة أنهم يقاتلون مع أئمة العدل ، وهل يقاتلون مع أئمة الجور ; نقل عن بعض أهل العلم أنهم يقاتلون ، وكذلك من نقض العهد من أهل الذمة ، وهو قول الجمهور ، وقالوا : يغزى مع كل أمير برا كان أو فاجرا إذا كان الغزو الذي يفعله جائزا ، فإذا قاتل الكفار أو المرتدين  أو ناقضي العهد أو الخوارج قتالا مشروعا ; قوتل معه ، وإن كان قتالا غير جائز ، لم يقاتل معه " انتهى كلامه .
وإن لم يخرج هؤلاء الذين أظهروا رأي الخوارج عن قبضة الإمام ، ولم يشقوا عصا الطاعة ، لم يقاتلوا ، وأجريت عليهم أحكام الإسلام ، لكن يجب تعزيرهم ، والإنكار عليهم ، وعدم تمكينهم من إظهار رأيهم ونشر بدعتهم بين المسلمين .
هذا على القول بعدم تكفيرهم ، كما عليه الجمهور ، وأما من يرى كفر الخوارج ، فإنه يجب عنده قتالهم بكل حال .

باب في أحكام الردة

المرتد في اللغة : هو الراجع ، يقال : ارتد فهو مرتد : إذا رجع ، قال تعالى : وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ أي : لا ترجعوا .
والمرتد في الاصطلاح : هو الذي يكفر بعد إسلامه طوعا بنطق أو اعتقاد أو شك أو فعل .
والمرتد له حكم في الدنيا وحكم في الآخرة
أما حكمه في الدنيا ; فقد بينه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله .
من بدل دينه فاقتلوه وأجمع العلماء على ذلك ، وما يتبع ذلك من عزل زوجته عنه ومنعه من التصرف في ماله قبل قتله .
وأما حكمه في الآخرة . فقد بينه الله تعالى بقوله :
وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
والردة تحصل بارتكاب ناقض من نواقض الإسلام ، سواء كان جادا أو هازلا أو مستهزئا ; قال تعالى : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ
أما المكره إذا نطق بسبب الإكراه ; فإنه لا يرتد ، لقوله تعالى . مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ
ونواقض الإسلام التي تحصل بها الردة كثيرة .
من أعظمها الشرك بالله تعالى ; فمن أشرك بالله تعالى ; بأن دعا غير الله من الموتى والأولياء والصالحين ، أو ذبح لقبورهم ، أو نذر لها ، أو طلب  الغوث والمدد من الموتى ; كما يفعل عباد القبور اليوم ، فقد ارتد عن دين الإسلام ; قال تعالى :
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم ويتوكل عليهم ; كفر إجماعا . وكذلك من جحد بعض الرسل أو بعض الكتب الإلهية ; فقد ارتد ; لأنه مكذب لله ، جاحد لرسول من رسله أو كتاب من كتبه . وكذلك من جحد الملائكة أو جحد البعث بعد الموت ; فقد كفر ; لأنه مكذب للكتاب والسنة والإجماع . وكذلك من سب الله تعالى أو سب نبيا من أنبيائه ; فقد كفر . وكذلك من ادعى النبوة ، أو صدق من يدعيها بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ; فقد كفر ، لأنه مكذب لقوله تعالى : وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ومن جحد تحريم الزنى ، أو جحد تحريم شيء من المحرمات الظاهرة المجمع على تحريمها كلحم الخنزير والخمر ، أو حرم شيئا مجمعا على حله ; مما لا خلاف في حله ; كالمذكاة من بهيمة الأنعام ; فقد كفر . وكذلك متى جحد وجوب عبادة من العبادات الخمس الواردة في قوله صلى الله عليه وسلم : بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج بيت الله الحرام ومن استهزأ بالدين ، أو امتهن القرآن الكريم ، أو زعم أن القرآن نقص منه شيء ، أو كتم منه شيء فلا خلاف في كفره " . .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ومعلوم بالاضطرار من دين الإسلام وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، فهو كافر ، وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض " . ...
وقال : " ومن سخر بوعد الله أو بوعيده ، أو لم يكفر من دان بغير الإسلام كالنصارى ، أو شك في كفرهم ، أو صحح مذهبهم ; كفر إجماعا " .
وقال : " من سب الصحابة أو أحدا منهم ، واقترن بسبه دعوى أن عليا إله أو نبي ، وأن جبريل غلط ; فلا شك في كفره " ; انتهى كلامه رحمه الله .
ومن حكم القوانين الوضعية بدل الشريعة الإسلامية ; يرى أنها أصلح للناس من الشريعة الإسلامية ، أو اعتنق فكرة الشيوعية أو القومية العربية بديلا عن الإسلام ، فلا شك في ردته .
وأنواع الردة كثيرة ، مثل من ادعى علم الغيب ، . ومثل من لم يكفر المشركين أو يشك في كفرهم أو يصحح ما هم عليه ، ومثل من يعتقد أن هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه ، أو أن حكم غير النبي صلى الله عليه وسلم أحسن من حكمه ، ومثل من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومن استهزأ بشيء من دين الرسول أو ثوابه أو عقابه ، وكذلك من ظاهر المشركين وأعانهم على المسلمين ، ومن اعتقد أن بعض الناس يجوز له الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ; كغلاة الصوفية ، ومن أعرض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به ; كل هذه الأمور من أسباب الردة ومن نواقض الإسلام .
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : " ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف ; إلا المكره ، وكلها من أعظم ما يكون خطرا ، وأكثر ما يكون وقوعا ; فينبغي للمسلم أن يحذرها ويخاف منها على نفسه ، نعوذ بالله من موجبات غضبه ، وأليم عقابه " .
هذه نماذج من نواقض الإسلام ، وهي أكثر مما ذكر بكثير ; فعليك أن تتعلمها وتعرفها ; لتحذر منها وتتجنبها ; فإن من لا يعرف الشرك ; يوشك أن يقع فيه  وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :   يوشك أن تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية .
وإني أنصحك أن تقرأ كتاب " اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم " لشيخ الإسلام ابن تيمية ، وكتاب " المسائل التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية " للشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وشرحها للعلامة العراقي محمود شكري الألوسي رحمه الله .
فمن ارتد عن دين الإسلام ; فإنه يجب أن يستتاب ويمهل ثلاثة أيام ، فإن تاب ، وإلا قتل ; لقول عمر رضي الله عنه لما بلغه أن رجلا كفر بعد إسلامه فضربت عنقه قبل استتابته ، فقال : فهلا حبستموه ثلاثا ، فأطعمتموه كل يوم رغيفا ، واستتبتموه ; لعله يتوب أو يراجع أمر الله ، اللهم إني لم أحضر ولم أرض إذ بلغني رواه مالك في " الموطأ " ; ولأن الردة لا تكون إلا لشبهة ، ولا تزول في الحال ; فوجب أن ينتظر مدة يرتئي فيها ، وأما الدليل على وجوب قتله إذا لم يتب ; فقول النبي صلى الله عليه وسلم : من بدل دينه ; فاقتلوه رواه البخاري وأبو داود .
والذي يتولى قتله هو الإمام أو نائبه ; لأنه قتل لحق الله ، فكان إلى ولي الأمر .
والحكمة في وجوب قتل المرتد : أنه لما عرف الحق وتركه ; صار مفسدا في الأرض ، لا يصلح للبقاء ; لأنه عضو فاسد ، يضر المجتمع ، ويسيء إلى الدين .
وتحصل توبة المرتد بإتيانه بالشهادتين ; لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله . فإذا قالوها ، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ومن كانت ردته بسبب جحوده لشيء من ضروريات الدين ، فتوبته مع إتيانه بالشهادتين إقراره بما جحده .
ويمنع المرتد من التصرف في ماله ، لتعلق حق الغير به ; كمال المفلس ، ويقضى ما عليه من ديون ، وينفق عليه من ماله وعلى عياله مدة منعه من التصرف فيه ، فإن أسلم المرتد ; أخذ ماله ومكن من التصرف فيه لزوال المانع ، وإن مات على ردته أو قتل مرتدا ، صار ماله فيئا لبيت مال المسلمين من حين موته ، لأنه لا وارث له ; فلا يرثه أحد من المسلمين ; لأن المسلم لا يرث الكافر ، ولا يرثه أحد من الكفار ، ولو من أهل الدين الذي انتقل إليه ، لأنه لا يقر على ردته ، والمرتد لا يرث من كافر ولا مسلم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم
وقد اختلف العلماء رحمهم الله في حكم قبول توبة من سب الله تعالى أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم :
فقال بعضهم : لا تقبل توبته في أحكام الدنيا كترك قتله وتوريثه والتوريث منه ، وإنما يقتل على كل حال ; لعظم ذنبه وفساد عقيدته واستخفافه بالله تعالى .
والقول الثاني : أنه تقبل توبته ; لقوله تعالى :
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ
وكذلك اختلف العلماء رحمهم الله في قبول توبة من تكررت ردته :
فقال بعضهم : إنها لا تقبل في الدنيا ; فلا بد من تنفيذ حكم المرتد فيه ، ولو تاب ، لقوله تعالى :
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا
وقيل : تقبل توبته ; لقوله تعالى :
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ فالآية عامة ، تتناول بعمومها من تكررت ردته .
كما اختلفوا في قبول توبة الزنديق وهو المنافق . الذي يظهر الإسلام ويخفي الكفر :
فقيل : لا تقبل توبته ; لأنه لا يبين منه ما يظهر رجوعه إلى الإسلام ، والله تعالى يقول :
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فإذا أظهر التوبة ، لم يزد على ما كان قبلها ، وهو إظهار الإسلام وإخفاء الكفر . .
وقيل : تقبل توبة الزنديق ; لقوله تعالى :
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كف عن المنافقين بما أظهروا من الإسلام .
ومن الزنادقة : الحلولية ، والإباحية ، ومن يفضل متبوعه على محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن يرى أنه إذا حصلت له المعرفة ; سقط عنه الأمر والنهي ، أو أنه إذا حصلت له المعرفة ، جاز له التدين بدين اليهود والنصارى وأمثالهم من الطوائف المارقة عن الإسلام من غلاة الصوفية وغيرهم .
كما اختلف العلماء رحمهم الله في صحة إسلام الطفل المميز ووقوع الردة منه ; فقيل : تحصل منه الردة إذا ارتكب شيئا من أسبابها ، لأن من صح إسلامه ، صحت ردته ، والمميز يصح إسلامه ، فتصح ردته ، لكن لا يقتل حتى يستتاب بعد البلوغ ويمهل ثلاثة أيام ، فمن تاب ; قبلت توبته ، وإن بقي على ردته ; قتل .
وقد اختلفوا فيمن ترك الصلاة تهاونا مع إقراره بوجوبها ، والصحيح أنه يكفر ، لقوله صلى الله عليه وسلم : بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة  وقوله صلى الله عليه وسلم : العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها ، فقد كفر ولقوله تعالى : مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وقال تعالى : فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ فدلت الآية الكريمة على أن من لم يقم الصلاة ; فليس من إخواننا في الدين ، ولم يقل : وأقروا بوجوب الصلاة ، وإنما قال : وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وقال النبي صلى الله عليه وسلم : بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ...  الحديث ، ولم يقل : والإقرار بوجوب الصلاة ، وإنما قال : وإقام الصلاة
وقد كثر اليوم التهاون بالصلاة ، والتكاسل عنها ، والأمر خطير جدا ، فيجب على من يتهاون بالصلاة أن يتوب إلى الله ، وينقذ نفسه من النار ; فإن الصلاة هي عمود الإسلام ، وهي تنهى عن الفحشاء والآثام

--------------------------------------
--------------------------------------

( مو من الملخص الفقهي بس هي منزلتها - مدخل جانبي  ) 


اسقاط الجنين المشوه خلقيا 


أصبح في الوقت الحاضر بالإمكان معرفة تشوه الجنين عن طريق الأشعة، وأصبح يمكن للأطباء معرفة ما إذا كان هذا الجنين سيولد مشوها أم لا، وذلك عن طريق الأشعة بأنواعها، ولهذا إذا تشوه هذا الجنين، وأنه سيولد مشوها، وسيكون لو ولد وعاش عبئا على والديه وعلى أسرته، فهل يجوز إسقاطه في هذه الحال أو لا يجوز؟ قبل أن نتكلم عن هذه المسألة نذكر بعض الأمور التي لا بد من تقديمها قبل بحث هذه المسألة، وهي: أن نفخ الروح إنما يكون بعد مضي مائة وعشرين يوما على الحمل، كما جاء ذلك في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق، فقال: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم علقة مثل ذلك، ثم مضغة مثل ذلك- فأربعون وأربعون، وأربعون أصبحت مائة وعشرين، أي أربعة أشهر- ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها )متفق عليه، فهذا الحديث ظاهر الدلالة في أن نفخ الروح إنما يكون بعد مائة وعشرين يوما، وهذا التحديد مهم بالنسبة لبحث المسألة.

ولكن قد جاء في حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه وهو في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين، أو خمس وأربعين ليلة (هكذا لفظ الحديث ) فيقول: يا رب، أشقي أو سعيد؟ فيكتبان، فيقول: أي رب أذكر أم أنثى فيكتبان، ويكتب عمله، وأثره، وأجله ورزقه، ثم تطوى الصحيفة فلا يزاد فيها ولا ينقص ) رواه مسلم، فهذا الحديث حديث حذيفة: أن هذه الكتابة تكون بعد أربعين أو خمس وأربعين يوما، بينما في حديث ابن مسعود أن ذلك يكون بعد مائة وعشرين يوما، وكلا الحديثين من جهة السند صحيح: حديث ابن مسعود في الصحيحين، وحديث حذيفة في صحيح مسلم، فكيف نجمع بينهما؟.

تكلم عن ذلك ابن القيم -رحمه الله- في كتابه القيم "شفاء العليل"، وجمع بين هذين الحديثين، قال:( فاجتمعت هذه الأحاديث والآثار على تقدير رزق العبد وأجله وشقاوته وسعادته، وهو في بطن أمه، واختلفت في وقت هذا التقدير: ففي حديث ابن مسعود أنه يقع بعد مائة وعشرين يوما من حصول النطفة في الرحم، وفي حديث حذيفة أنه بعد أربعين يوما أو خمسة وأربعين يوما، قال ابن القيم: وكثير من الناس يظن التعارض بين الحديثين ولا تعارض بينهما بحمد الله، وأن الملك الموكل بالنطفة يكتب ما يقدره الله على رأس الأربعين الأولى حتى يأخذ في الطور الثاني وهو العلقة، وأن الملك الذي ينفخ فيه، يعني الروح فإنما ينفخها بعد الأربعين الثالثة، يعني بعد مائة وعشرين يوما، فيؤمر عند نفخ الروح بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقاوته أو سعادته، وهذا تقدير بعد تقدير، فهذا تقدير غير التقدير الذي كتبه الملك الموكل بالنطفة، فيقدر الله سبحانه شأن النطفة حين تأخذ في مبدأ التخليق وهو العلق، ويقدر الله شأن الروح حين تتعلق بالجسد بعد مائة وعشرين يوما، فهو تقدير بعد تقدير، فاتفقت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وصدق بعضها بعضا).

 لكن في حديث حذيفة لم يذكر فيه نفخ الروح، إنما ذكر في حديث ابن مسعود، فيكون إذا نفخ الروح بعد مائة وعشرين يوما، وهو الذي يهمنا في بحث هذه المسألة.  ، هذه المسألة -إسقاط الجنين المشوه- بحثت في مجلس هيئة كبار العلماء، وفي مجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي، وصدر فيها قرار من مجلس الهيئة، وقرار من المجمع، والقراران متقاربان في تقرير الحكم الشرعي:-

 أولا: لا يجوز إسقاط الحمل في مختلف مراحله إلا لمبرر شرعي، وفي حدود ضيقة جدا؛ حتى في طور الأربعين لا بد من مبرر شرعي، وأما إسقاط الحمل؛ خشية المشقة في تربية الأولاد، أو العجز عن تكاليف معيشهم، أو الاكتفاء بما لدى الزوجين من أولاد، فهذا لا يعتبر مبررا شرعيا، فيكون الإسقاط لأجل هذا الغرض غير جائز، وقد نص على هذا في قرار الهيئة، أن الإسقاط خشية المشقة في تربية الأولاد أو العجز عن تكاليفهم أو الاكتفاء بما لدى الزوجين من أولاد أنه غير جائز ولو كان في طور الأربعين الأولى.

ثانيا: إذا كان الحمل قد بلغ مائة وعشرين يوما، فإنه لا يحل إسقاطه ولو كان التشخيص الطبي يفيد أنه مشوه الخلقة، وذلك لأنه قد نفخت فيه الروح، وأصبح إنسانا فإسقاطه هو في الحقيقة قتلٌ لإنسان، ولكن إذا كان بقاؤه فيه خطر مؤكد على حياة الأم فهل يجوز إسقاطه في هذه الحال؟ اختلف العلماء المعاصرون في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: أنه لا يجوز إسقاطه ولو كان فيه خطر محقق، ولو ماتت أمه ببقائه، ومن أبرز من قال بهذا القول: الشيخ محمد العثيمين - رحمه الله - قالوا: ما دام أنه قد نفخت فيه الروح لا يحل إسقاطه بأي حال من الأحوال، حتى لو قرر الأطباء أنه إن لم يسقط ماتت أمه، فإنه لا يحل إسقاطه، وعللوا لذلك: بأنه لا يجوز لنا أن نقتل نفسا لاستبقاء نفس أخرى، وإسقاطه بعد مائة وعشرين يوما هو قتل لنفس، قال الشيخ محمد العثيمين -رحمه الله-: فإن قال قائل: إذا أبقيناه وماتت الأم فسيموت هو أيضا فيحصل بذلك قتل نفسين، وإذا أخرجناه فلربما تنجو الأم؛ فالجواب أننا إذا أبقيناه وماتت الأم بسببه، ومات هو بعد موت أمه فإن موت أمه ليس منا، بل من عند الله U فهو الذي قضى عليها بالموت بسبب هذا الحمل، أما إذا أجهضنا الجنين الذي كان حيا، ومات بالإجهاض، فإن إماتته من فعلنا ولا يحل ذلك لنا، فأصحاب هذا القول يرون أن إسقاطه بعد مائة وعشرين يوما فيه تعدٍ على إنسان، وقتل لإنسان من أجل استبقاء إنسان آخر، هذا هو حاصل استدلالهم.

القول الثاني في المسألة: أنه إذا ثبت من الأطباء الموثوقين أن بقاء الجنين فيه خطر مؤكد على حياة الأم، وأنه سوف يتسبب في موتها لو بقي بعد استنفاذ كافة الوسائل لإنقاذ حياته فإنه يجوز إسقاطه في هذه الحال، وقد أخذ بهذا القول مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة، ومجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي، وعللوا ذلك بأن إسقاطه في هذه الحال فيه دفع لأعظم الضررين، وجلب لأعظم المصلحتين، وذلك لأن عندنا في هذه المسألة ضررين: وهو موت الأم، أو موت هذا الجنين، وموت الأم أعظم ضررا من موت الجنين، وذلك أن حياة الأم متيقنة، وبقاء هذا الجنين حيا بعد الولادة أمر مشكوك فيه، فموت الأم أعظم ضررا، قالوا: فيجوز إسقاطه دفعا لأعظم الضررين، وهذا القول الأخير هو الأقرب في هذه المسألة، والله أعلم، ولكن ذلك بشروط ليس على إطلاقه، وإنما بشرط أن يكون هناك اتفاق بين الأطباء بأن بقاء هذا الجنين فيه خطر مؤكد على حياة الأم، وأنه لو بقي فسوف يتسبب في وفاتها، فإذا اتفق الأطباء على ذلك، واستنفذت جميع الوسائل لإنقاذ حياته، ولم يمكن ذلك إلا بإسقاطه؛ استنقاذا لحياة الأم جاز إسقاطه في هذه الحال، هذا هو الأقرب لهذه المسألة والله أعلم.

وأما ما ذكره أصحاب القول الأول: من أنه ليس لنا قتل نفس لاستبقاء نفس أخرى، فنحن نقول: نحن الآن عندنا نفسان: عندنا الأم، وعندنا هذا الجنين، فلو لم يسقط هذا الجنين لتسبب في وفاة الأم، ووفاة الأم أعظم ضررا، فحينئذ يجوز إسقاطه في هذه الحال دفعا لأعظم الضررين.

ثالثا:- قبل مرور مائة وعشرين يوما على الحمل، والحمل علقة أو مضغة، إذا أثبت الأطباء بأن الجنين في هذه المرحلة مشوه تشويها خطيرا، وغير قابل للعلاج، وأنه إذا بقي فستكون حياته سيئة وآلاما عليه وعلى أهله، ففي هذه الحال يجوز إسقاطه بناء على طلب الوالدين، وذلك لأن هذا الجنين في هذه المرحلة لم تنفخ فيه الروح، وليس بإنسان، إنما هو مضغة أو علقة فيجوز إسقاطه.

رابعا:- أن يكون في طور الأربعين الأولى، فيجوز إسقاطه إذا وجد في ذلك مصلحة شرعية، أو دفع ضرر متوقع، ومن ذلك أن يكون هذا الجنين لو عاش لكان مشوها خلقيا، فهنا لا بأس بإسقاطه في طور الأربعين الأولى بهذا القيد على أن بعض الفقهاء يجيزون إسقاطه مطلقا بدون قيود ، وهو ظاهر مذهب الحنابلة..

ومما سبق يتبين أن العلماء يشددون فيما إذا كان ذلك الإسقاط بعد مائة وعشرين يوما، ثم المرحلة الثانية: إذا كان مضغة وعلقة، يشددون تشديدا أقل من التشديد الأول،  أما إذا كان في الأربعين الأولى فلا يشددون كثيرا في المسألة، ولذلك يجوز الإسقاط في الأربعين الأولى، ولو لغرض آخرغير تشويه الخلقة، كما لو اغتصبت امرأة مثلا، وحملت فيجوز الإسقاط في طور الأربعين الأولى، ويعتبر هذا من المصلحة ، ونحو ذلك .

والله تعالى أعلم.


المرحلة الأولى: بعد مضي مائة وعشرين يوما من الحمل يعد قتلاً للنفس التي حرم الله، ولا يجوز إسقاط حمل مضت عليه هذه المدة بالإجماع، إلا في إحدى حالتين: الأولى: إذا ثبت بتقرير طبي موثوق أن حياة الأم في خطر داهم إذا لم يسقط الجنين. والثانية: إذا ثبت أن الجنين قد مات في بطن أمه.

والمرحلة الثانية: ما قبل المائة وعشرين وبعد تمام الأربعين، وهو محرم على الراجح، وإن كان لا يرتقي إلى درجة قتل النفس

المرحلة الثالثة: قبل تمام الأربعين، وهو محرم أيضا على الراجح، إلا إن كان في إسقاطه مصلحة شرعية ‏أو دفع ضرر متوقع، وقد نص قرار هيئة كبار العلماء رقم (140) الصادر في الدورة التاسعة والعشرين على ما ‏يلي:‏



وأخيرا ننبه على أن اتفاق الزوجين لا يبيح أمراً محظوراً، فإذا كان الإجهاض محرما لم يكن لاتفاق الزوجين أثر في إباحته، وإنما يكون أثر غيابه وانفراد أحد الزوجين بفعل الإجهاض دون رضا الطرف الثاني أن الحرمة تعظم، لما يضاف إليها بعد حق الله من حق أحد الزوجين في الذرية، وكذلك يكون له أثر في استحقاق الدية، فإن دية الجنين إنما يستحقها ورثته عدا الجاني المتعمد لإسقاطه، فإن اتفق الزوجان على ذلك لم يستحق أحدهما الدية على الآخر، بخلاف ما لو انفرد أحدهما، فيستحقها الآخر.

والله أعلم.



--------------------------------------
 
‏1- لا يجوز إسقاط الحمل في مختلف مراحله إلا لمبرر شرعي وفي حدود ضيقة جداً.‏2- إذا كان الحمل في الطور الأول وهي مدة الأربعين وكان في إسقاطه مصلحة شرعية ‏أو دفع ضرر متوقع جاز إسقاطه، أما إسقاطه في هذه المدة خشية المشقة في تربية الأولاد أو ‏اكتفاء بما لدى الزوجين من الأولاد فغير جائز. انتهى.

عمليات التجميل 


مفهوم العمليات التجميليّة:
العمليات: جمع عمليّة .
والعمليّة لفظ مشتق من العمل، وهو عام في كل فعل يفعل(1).
والعمليّة كلمة محدثة تطلق على جملة أعمال تحدث أثرًا خاصًّا، يقال: عملية جراحية، أو حربيّة(2).
والتجميل: هو التحسين(3).
وقد عرفت العمليات التجميليّة بأنها: مجموعة العمليات التي تتعلّق بالشكل، والتي يكون الغرض منها علاج عيوب طبيعيّة أو مكتسبة في ظاهر الجسم البشري(4).
وعرفت جراحة التجميل بأنها: جراحة تجرى لتحسين منظر جزء من أجزاء الجسم الظاهرة، أو وظيفته إذا طرأ عليه نقص أو تلف أو تشويه(5).
وعرف بأنها: فن من فنون الجراحة يرمي إلى تصحيح التشوّهات الخلقيّة، أو الناجمة عن الحوادث المختلفة(6).
وعرفت بإصلاح أو إعادة تشكيل أجزاء معطوبة من الجسم(7).

والتعريفات السابقة متقاربة المدلول ظاهرة المعنى، وهي تدل على أن العمليات التجميليّة مجموعة أعمال يقوم بها طبيب مختص تتعلق بتحسين الشكل سواء كان يرافقه إصلاح خلل في وظيفة العضو أو لا، وسواء كان التحسين لتشوّه خلقي أو ناتج عن حادث، أو لتغيير المنظر، أو استعادة مظهر الشباب .
وعلى هذا فإنّ الأعمال التي لا يقوم بها الأطباء من أنواع الزينة لا تدخل في هذا البحث.
كما لا يدخل في بحثنا الأعمال الطبيّة المنصبة على استعادة الصحّة أو حفظها دون مراعاة تحسين الشكل .
ولا فرق في العمليات التجميليّة بين أن تتم بالجراحة أو بدونها .
ويطلق على هذا النوع من العمليات: العمليات التقويميّة وإعادة البناء والترميم؛ لأنها تتضمّن إصلاح وإعادة تشكيل أجزاء من الجسم.

أنواع العمليات التجميليّة:
تنقسم العمليات التجميليّة عند المتخصصين إلى نوعين(8):
1) عمليات لابد من إجرائها، لوجود الداعي لذلك إما لإزالة عيب يؤثر على الصحّة، أو على استفادته من العضو المعيب أو لوجود تشوّه غير معتاد في خلقة الإنسان المعهودة .
ومن أمثلة هذه العمليات: العمليات التي تجرى لإزالة العيوب التالية:
1- الشفة الأرنبيّة (الشق الشفي )، والشق الحلقي .
2- التصاق أصابع اليد أو الرجل .
3- انسداد فتحة الشرج .
4- المبال التحتاني.
5- إزالة الوشم والوحمات والندبات .
6- إزالة شعر الشارب واللحية عن النساء .
7- إعادة تشكيل الأذن.
8- شفط الدهون إذا رافقها إصابة أو مرض يستدعيه .
9- تصغير الثدي إذا رافقه مرض يستدعيه (كأمراض الظهر مثلاً) .
10- زراعة الثدي لمن استؤصل منها .
11- تصحيح الحاجز الأنفي أو الأنف المصاب بتشوه .
12- تشوه الجلد بسبب الحروق أو الآلات القاطعة أو الطلقات الناريّة .
13- تصحيح كسور الوجه (بسبب الحوادث مثلاً) .
وغيرها من أنواع العيوب التي يجمعها ويضبطها أن لها دافعًا صحيًّا، أو أنها لإصلاح تشوّه حادث أو عيب يخالف أصل خلقة الإنسان أو صورته المعهودة .

2) عمليات اختياريّة، لا داعي لإجرائها سوى رغبة المريض، فهي عمليات تهدف لتحسين المظهر، لا لوجود عيب أو تشوّه، بل لتحقيق منظر أحسن وأجمل، أو تهدف لتجديد الشباب وإزالة مظاهر الشيخوخة .
ومن أمثلة هذه العمليات:
1- إزالة الشعر وزرعه .
2- تقشير البشرة .
3- شد الجبين ورفع الحاجبين .
4- شد الوجه والرقبة .
5- حقن الدهون (غير ما سبق) .
6- شفط الدهون (غير ما سبق) .
7- تجميل الأنف تصغيرًا أو تكبيرًا .
8- تجميل الذقن .
9- تجميل الثديين تكبيرًا أو تصغيرًا .
وغيرها من أنواع العمليات التي يجمعها أنها لا دافع لها سوى انزعاج المريض من مظهره ورغبته في إصلاحه إلى مستوى مقبول لديه .

3) عمليات اختياريّة تتضمن شكل الإنسان وهيئته الخارجية ليشبه بعض الحيوانات أو غيرها مما هو تشويه للشكل مثل شق اللسان، وتركيب الأنياب الضخمة وغيرها .

مقدمات وقواعد أساسيّة:
1) خلق الله تعالى الإنسان على صورة حسنة، وإن تفاوت الحسن بين الناس كما قال تعالى: "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم". [التين:4] قال ابن كثير: (هذا هو المقسم عليه - أي في السورة - وهو أنّه تعالى خلق الإنسان في أحسن صورة وشكل، منتصب القامة سويّ الأعضاء حسنها) (9).
فكل إنسان فهو مخلوق خلقة حسنة، ما دام على الخلقة المعهودة للآدميّ، وهذا لا يمنع تفاوت البشر في الحسن، فمنهم من أوتي من الجمال والحسن أكثر مما أوتي غيره، فقد حكى الله تعالى لنا قصّة يوسف عليه السلام وأن النسوة لما رأينه "أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرًا إن هذا إلا ملك كريم". [يوسف:31].
أي قلن لها: ما نرى عليك من لوم بعد هذا الذي رأينا، لأنهن لم يرين في البشر شبهه ولا قريبًا منه، فإنه عليه السلام كان قد أعطي شطر الحسن، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح في حديث الإسراء(10).
وهذا التفاوت الموجود بين بني البشر تخضع المفاضلة فيه بين أفراده أيهم أكثر جمالاً إلى أذواق الناس المتفاوتة، فمن كان جميلاً مستملحًا عند أحد فإنه قد يكون قبيحًا مستسمجًا عند غيره، فليس ميزان الجمال واحدًا بين الناس، ومن هنا تفاوتت تعاريفهم للجمال .
وهذا أمر مستقر في النفوس لا يحتاج إلى دليل.
وذلك أن الجمال يدرك بالبداهة بغير تفكير، وإذا كانت البديهة هي الموكلة بالجمال -لا الذهن- فمن العسير أن توضع له القواعد الحاسمة، وترسم له الحدود القاطعة كالقضايا الذهنية(11).
وكذلك فإن جمال الجسد وحُسن المظهر البدني لا يشغل عن سمات الجمال الأخرى ومظاهره المغايرة، فحين يأخذ التذوّق لجمال الجسد والعناية به مساحة أكبر مما ينبغي أثر ذلك على بقيّة أهداف الحياة وألوان الجمال فيها .
ولذا حَضّ النبي صلى الله عليه وسلم على اختيار جميلة الروح ولو على حساب نصيبها من الجمال الجسدي فقال: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) (12).
وبين أنّ العبرة به عند الله سبحانه فقال: (إنّ الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم) (13).

2) أخبر الله تعالى أن الشيطان توعّد أن يضل بني آدم بحملهم على أمور منها تغيير خلق الله تعالى كما في قوله: "ولآمرنهم فليغيرنّ خلق الله". [النساء:119] .
ولاشك أن في هذا ذمًّا لتغيير خلق الله تعالى.
وقد تنوعت عبارات السلف في تفسير هذا التغيير على أقوال:
الأول: أنه تغيير دين الله الذي خلق الناس وفطرهم عليه.
الثاني: أنّ المراد به الخصاء.
الثالث: أنّه الوشم.
الرابع: أنّه عبادة الشمس والقمر والحجارة التي خلقها الله تعالى للاعتبار والانتفاع بها فغيرها الكفار وجعلوها معبودة(14).
وليس بين هذه الأقوال تضارب ولا اختلاف، فإنّ من طريقة السلف في التفسير: التعبير عن المراد بالآية بذكر أحد أفراد المعنى، دون إرادة حصر المعنى فيه .
وفي هذا يقول ابن تيمية: (..يقع في عباراتهم تباين في الألفاظ يحسبها من لا علم عنده اختلافًا، فيحكيها أقوالاً، وليس كذلك، فإنّ منهم من يعبّر عن الشيء بلازمه أو نظيره، ومنهم من ينص على الشيء بعينه، والكل بمعنى واحد في كثير من الأماكن فليتفطن اللبيب لذلك) (15).
ولذا اختار الطبري المعنى الأول للآية إذ يقول: (وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك قول من قال معناه دين الله، وذلك لدلالة الآية الأخرى على أنّ ذلك معناه، وهي قوله: "فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيّم". [الروم:30] وإذا كان ذلك معناه دخل في ذلك فعل كل ما نهى الله عنه من خصاء ما لا يجوز خصاؤه، ووشم ما نهي عن وشمه، ووشره، وغير ذلك من المعاصي، ودخل فيه ترك كل ما أمر الله به، لأن الشيطان لا شَكّ أنه يدعو إلى جميع معاصي الله، وينهى عن جميع طاعته) (16).
فيكون معنى الآية: أنَّ الشيطان يأمرهم بالكفر، وتغيير فطرة الإسلام التي خلقهم الله عليها وأن معنى قوله تعالى: "فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله" أي لا تبدلوا فطرة الله التي خلقكم عليها بالكفر(17).
وبيانه أكثر يتضح بمعرفتنا لمعنى الخلق، ومعنى التغيير.
فالخلق قد يراد به مخلوق الله كما في قوله تعالى: "ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت" [الملك:3] أي: هو مستوٍ لا اختلاف فيه ولا نقص ولا عيب.
وكقوله تعالى: "هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه". [لقمان:11] .
ويأتي الخلق بمعنى التقدير كما في قوله تعالى: "يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقًا من بعد خلق في ظلمات ثلاث". [الزمر:6] أي: قدّركم في بطون أمهاتكم.
ويأتي الخلق بمعنى الفطرة التي خلق الله تعالى عليها عباده كقوله تعالى: "فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله" [الروم:30].
قال ابن كثير: (أي: فسدّد وجهك واستمر على الدين الذي شرعه الله لك .. وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة التي فطر الله الخلق عليها، فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده وأنّه لا إله غيره، وفي الحديث: (إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم).
وقوله تعالى: "لا تبديل لخلق الله" قال بعضهم: معناه لا تبدلوا خلق الله فتغيروا الناس عن فطرتهم التي فطرهم الله عليها فيكون خبرًا بمعنى الطلب وهو معنى حسن صحيح، وقال آخرون: هو خبر على بابه ومعناه أنه تعالى ساوى بين خلقه كلهم في الفطرة على الجبلة المستقيمة، لا يولد أحد إلا على ذلك .. ولهذا قال ابن عباس وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك وابن زيد في قوله: "لا تبديل لخلق الله" أي لدين الله قال وقال البخاري: قوله: "لا تبديل لخلق الله" لدين الله، خلق الأولين: دين الأولين، الدين والفطرة والإسلام) أ.هـ(18)
وهذا التفسير وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الفطرة: ما من مولود يولد إلا على الفطرة ثم قرأ الآية. متفق عليه.
وقال الراغب (الخلق: أصله التقدير، ويستعمل في إبداع الشيء من غير أصل .. ويستعمل في إيجاد الشيء من الشيء .. وقوله: "ولآمرنهم فليغيرن خلق الله" قيل: إشارة إلى ما يشوهونه من الخلقة بالخصاء ونتف اللحية وما يجري مجراه، وقيل: معناه يغيرون حكمه) (19).
وأمّا التغيير فيطلق على تحوّل الشيء عن صفته حتى يكون كأنه شيء آخر، ويطلق على الإزالة.
قال في لسان العرب: (تغيير الشيب يعني: نتفه، فإنّ تغيير لونه قد أَمَر به) (20).
وعلى هذا فليس في الآية دليل على تحريم مجرد تغيير خلق الله تعالى، بل فيها بيان أن جميع ما نهى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عنه فالشيطان يأمر به.
وبذلك لا يستدل بالآية على تحريم عملٍ، إلا بعد ثبوت أنّه محرم، ولا تتفرّد دليلاً على التحريم باستقلال .
ويدل على ذلك أن الشرع ورد بالأمر، أو الإذن بجملة من الأعمال التي فيها تغيير لخلق الله تعالى كالختان، وقطع يد السارق، وثقب أذن الأنثى، واتخاذ أنف بديل لما قطع، بل إن الكحل والخضاب بالحناء كلها من تغيير خلق الله تعالى، وهذا كله يصب في تقوية ما اختاره الطبري -رحمه الله- ويمنع عموم الاستدلال بالآية حتى يثبت تحريم الفعل أوّلاً ليندرج بعد ذلك في مدلوله.
وكثير من أهل العلم يفرّق بين التغيير الباقي والتغيير الذي لا يزول، فيحرم الأول ويبيح الثاني، إذ الذي يزول ورد الإذن به في الخضاب والممنوع في النصوص كله مما لا يزول فجعل ذلك علة للمنع في مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله) متفق عليه .
وفي جعله الدوام علة للمنع نظر، بيانه أن الشرع جاء بتغيير لا يزول، كقطع يد السارق ويد ورجل المحارب ونحوها من أنواع التغيير الدائم .
كما أن ما جاء الشرع بالنهي عنه ليس كله من ما يدوم، فالنمص لا يدوم أثره، بل يعود الشّعر للنبات مرة أخرى، وهذا يدل على أنّ المعوّل ليس هو الدوام .
ولذا يضيف بعض أهل العلم علة أخرى ليكون مناط التحريم علة مكونة من وصفين هما الدوام وإرادة التحسين به، واستشهد لذلك بما جاء في الحديث المتقدّم (المتفلجات للحسن).
والحقيقة أن جعل التحسين مناطًا للتحريم والمنع غير مناسب؛ لأنّا نشهد من الشرع إباحة التزين والأمر به، فلا يسوغ جعله علة للمنع والتحريم، وثقب إذن الأنثى مباح مع أنّه تزيين دائم.
وكل ذلك إنما هو محاولة لتعدية الحكم، مع أن الإمام أحمد رحمه الله يبيح حلق الحاجب ويمنع نتفه(21) ولا يجعل إزالة الشعر من الحاجب بقصد التحسين، ولا استوائهما في الأثر سببًا للتحريم، وهذا يدل على عدم فهم تعدية حكم المنصوص لما عداه .
وقال ابن حجر في شرحه للفظ المغيرات خلق الله: (هي صفة لازمة لمن يصنع الوشم والنمص والتفليج) (22).
ولذا فإنّ ما ورد في الشرع النهي عنه فيوقف عنده ولا يتجاوز إلا بدليل واضح ظاهر .
3) جميع الأعمال التي يقوم بها الإنسان إما أن يريد بها حفظ الضروريات أو مراعاة الحاجيات أو التحسينيات. وبين هذه المراتب فرق.
فالضرورة شدة وضيق في المرتبة القصوى بحيث يبلغ حدًا يخشى فيه على نفسه الهلاك أو مقاربة الهلاك، بضياع مصالحة الضروريّة. وإذا وجدت الضرورة فإن التحريم يرتفع، قال تعالى: "وقد فَصّل لكم ما حرّم عليكم إلا ما اضطررتم إليه" [الأنعام:119]. وهذا النص يقتضي وجود الإباحة بوجود الضرورة في كل حال وجدت فيها(23).
أمّا الحاجة فإنها مرتبة متوسطة في المشقّة، ولذا فإنّه لا يستباح بها ما يستباح بالضرورة، إلا أنّ الحاجة إذا كانت عامّة تتناول أكثر الخلق فإنها تنزّل منزلة الضرورة في حق الشخص الواحد(24). وأما التحسينات فهي دون ذلك .
ولما تناول الشاطبي أنّ مقاصد الشريعة في الخلق تعدو أن تكون ضروريّة أو حاجيّة عرّفها فقال: " فأمّا الضرورية فمعناها أنّها لابد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة ..
وأمّا الحاجيات فمعناها أنها مفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقّة اللاحقة بفوت المطلوب، فإذا لم تراعَ دخل على المكلفين على الجملة الحرج والمشقّة، ولكنّه لا يبلغ مبلغ الفساد العادي المتوقع في المصالح العامّة "(25).
وبناء على هذا فلا بد أن نميّز بين أنواع التصرفات والإجراءات العلاجيّة، وما تهدف إليه؛ إذ منها الضروريّ، والحاجيّ، ومنها ما هو دون ذلك، فيراعى التخفيف في أمور الضروريات والحاجيات العامّة ما لا يراعى في غيرها .

4) جَسَد الإنسان ملك لله تعالى كما قال تعالى: "ولله ملك السماوات والأرض وما فيهّن وهو على كل شيء قدير". [المائدة :120]. وعليه فإنّه لا يحق لأحدٍ أن يتصرّف في ملك بما يحرمه مالكه.
وبناء على ذلك فلا يحل للطبيب أن يباشر جسم المريض إلا إذا كان سيعمل عملاً أذن به الشرع، ولا يكفي إذن المريض ورضاه. قال ابن القيم: "فإنّه لا يجوز الإقدام على قطع عضو لم يأمر الله ورسوله بقطعه، ولا أوجب قطعه، كما لو أذن له في قطع أذنه أو أصبعه، فإنّه لا يجوز له ذلك، ولا يسقط الإثم عنه بالإذن"(26).
وقال ابن حزم: "واتفقوا أنّه لا يحل لأحدٍ أن يقتل نفسه، ولا يقطع عضوًا من أعضائه، ولا أن يؤلم نفسه، في غير التداوي بقطع العضو الألم خاصّةً"(27).

5) وبناء على ما تقدم فإنّا نقول: إن مجرد تضرّر الإنسان النفسي بنظرته الدونية لنفسه في أمور الجمال وأوصافه لا يكفي لاستباحة أي فعل محرم عليه لكن بعد ثبوت كون الفعل محرمًا، ولذا فقد يذكرُ بعض الباحثين حديث عرفجة بن أسعد أنّه قُطع أنفه يوم الكُلاب، فاتخذ أنفًا من وَرِق فأنتن عليه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذ أنفًا من ذهب(28).
فعرفجة لم يتخذ أنفًا من ذهب لحاجته للشم أو التنفس؛ لأنهما حاصلان بدون وجود البروز، وإنما اتخذه لتحسين المنظر، وهذا يدل على مراعاة الحالة النفسيّة .
وهذا غير صحيح، لأنّ عرفجة لم يرتكب محرمًا لوجود الضرر النفسي، بل فعله مباح أصلاً، وهذا الحديث يدل على جواز إصلاح العيوب بالعمليات التجميليّة، ولا يدل على أن الضرر النفسي هو المعيار في الإباحة.
مع أن ضرر عرفجة رضي الله عنه غير ثابت أصلاً، فمن أين أخذ أنه أصابه ضرر نفسي سعى لإزالته بهذا الأنف؟.
فإن الضرر النفسي والحزن والهم وإن كانت معتبرة في زيادة ثواب الإنسان وتكفير سيئاته كما ورد في الحديث المرفوع: (ما يصيب المؤمن من هم ولا نصب ولا وصب ولا حزن حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ) (29).
ومع أن الشرع راعاه بمنع تسبب الإنسان في إيذاء أخيه بما يحزنه، لكنه غير معتبر في الشرع في تخفيف التكليف عن العبد، وغير معتبر في استباحة ما حرم الله سبحانه وتعالى .
سئل ابن تيمية عن رجل له مملوك هرب منه ثم رجع وقد أخفى سكينة وقتل نفسه .
فأجاب: "لم يكن له أن يقتل نفسه وإن كان سيده قد ظلمه واعتدى عليه، بل كان عليه إذا لم يمكنه دفع الظلم عن نفسه أن يصبر إلى أن يفرّج الله، فإن كان سيّده ظلمه حتى فعل ذلك مثل أن يقتّر عليه في النفقة أو يعتدي عليه في الاستعمال أو يضربه بغير حق فإن على سيّده من الوزر بقدر ما نسب إليه في المعصية"(30).
فالتكليف مناطه الاستطاعة فمن قدر على امتثال الأوامر والنواهي لزمته، ولو كان فيها ما يكرهه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه) (31).
كما أن الضرر النفسي والحزن من الأمور التي لا تنضبط، فما يحزن أحدًا قد لا يحزن غيره، ومقدار الحزن ووقت تحققه وطريقة زواله متفاوتة بين الناس، ومثل هذه الأمور غير المنضبطة لا يعلّق الشرع عليها أحكامًا .
فإنها (ما دامت خفيّة مضطربة مختلفة باختلاف الصُّوَر والأشخاص والأزمان والأحوال فإنه لا يمكن معرفة ما هو مناط الحكم إلا بالبحث الشديد ..ونحن نعلم بالاستقراء من ذات الشارع رد الناس في مثل هذا إلى المظان الظاهرة الجليّة دفعاً للتخبيط , وإزالة للتغليط ونفياً للحرج والمشقة والعسر والضرر , ألا ترى أنّ المشقّة لما لم تنضبط ويختلف الناس فيها باختلاف الأشخاص والأحوال رد الشارع في وجوب القصر والفطر بسببها إلى مظنتها في الغالب وهو السَّفَر ) (32).
ونبينا عليه الصلاة والسلام تشهد سيرته بمواقف شَدّد فيها على التزام التكاليف الشرعية رغم ما يشوبها من ضرر نفسي ..
عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إنّ لي ابنةً عُرّيسًا أصابتها حصبة فتمرّق شعرها، أفأصله ؟ فقال: لعن الله الواصلة والمستوصلة ) (33).
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إنّ ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها، أفتكتحلُها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا مرتين أو ثلاثًا) (34).


حكم العمليات التجميليّة:
تقدّم أن العمليات التجميليّة منها عمليات لا بد من إجرائها ومنها عمليات اختياريّة فالعمليات التجميليّة التي لابد منها لتضمنها علاجًا لمرض ما، أو للحاجة إليها؛ فإنَّ الباحثين المعاصرين يجيزون إجراءها ومنهم من قيدها بشروط تشمل كل أنواع العمليات الجراحيّة(1).
ويستدل على جوازها بأنّها نوع من التداوي، فهي إما علاج لمرض أو إصلاح لعيب محسوس والتداوي مشروع، كما أن هذه العمليات لا يقصد بها التجميل قصدًا أوليًا بل جاء التجميل تابعًا لإزالة الضرر ومعلوم أن التابع لا يفرد بحكم (2). وأما العمليات العبثيّة المشوهة للإنسان فهي ليست تجميلاً بل عبث وتشويه وهو محرم لما فيه من المثلة وطلب الشهرة.
أمّا العمليات التجميليّة الاختيارية، والتي يطلق عليها: جراحة التجميل التحسينيّة فقد اختلف المعاصرون فيها على اتجاهين:
الاتجاه الأول: يرى المنع منها وتحريمها؛ لأنّ فيها تغييراً لخلق الله تعالى؛ ولأنه قد وردت نصوص تدل على منع الوشم والنمص والتفليج والوصل وذلك لما فيها من تغيير طلبًا للتحسين وهذا المعنى موجود في هذه العمليات، ولما فيها من غش وتدليس وأضرار ومضاعفات إلى غير ذلك من الأدلة (3).
الاتجاه الثاني: يرى أن تبحث كل عملية تجميليّة لوحدها، إذ من هذه العمليات ما دل الشرع على تحريمه والمنع منه، ومنه ما يمكن قياسه عليها، ومنها ما بحثه الفقهاء سابقًا أو يمكن تخريجه على أقوالهم فلا تجعل العمليات من هذا النوع كلها في مرتبة واحدة(4).
ولا شك أن التفصيل أسعد بالقبول وأرجح، وسبب ذلك أن الشرع مع نهيه عن الوشم والنمص والوصل جاء بالإذن بأنواع من الزينة والتحسين كصبغ الشعر مثلاً وهذا يدل على أن تعميم العلة بمنع التحسين غير مقبول، والعلّة متى فُقد اطرادها دَلّ على إبطال عليتّها(5).
والتعليل بقصد التحسين لا يصلح علةً للتحريم - أيضًا - لأنا نشهد من الشارع اعتبار قصد التحسين والتجميل لا المنع منه كما تقدَّم(6).
ثم إنّ أهل العلم اختلفوا في المعنى الممنوع في النمص والوصل ونحوها، فقيل: مُنع الوصل لأنّ فيه استعمالاً لجزء آدمي(7)، وقيل لأجل ما فيه من تدليس وخداع(8).
وقيل في النمص المحرم أن المراد به هو التبرج والتزين للأجانب(9)، أو ما كان بدون إذن الزوج(10)، أو للتدليس، أو للتشبّه بالفاجرات(11).
ومادام أن أهل العلم قد اختلفوا في العلة التي من أجلها ورد النهي ،لم يَسُغ بعد ذلك توحيد علة المنع، مع ما تقدَّم من المراد بتغيير خلق الله تعالى.
وكذلك فإن الأضرار والمضاعفات والغش والتدليس التي من أجلها حرّم بعض المعاصرين العمليات التحسينيّة بإطلاق ليست قاعدة مطردة في كل العمليات التحسينيّة بل قد تقع في هذه العمليات أحيانًا وقد لا تقع، وهي مع ذلك أمور خارجة عن نفس العمليات فيكون التحريم لها لا لنفس الجراحة، إلا إذا رافقتها.
ومن جميع ما تقدَّم فإني أرى أنّ الاتجاه الثاني الذي يجعل لكل نوع من العمليات التحسينيّة حكمًا يناسبه حسبما تدل عليه الأدلّة ويبقى الباقي على أصل الإباحة، أولى من تعميم الأحكام على صور مختلفة.
ويشهد لهذه النتيجة ما ورد أنّ المقداد بن الأسود -رضي الله عنه- كان عظيم البطن وكان له غلام روميّ، فقال له: أشق بطنك فأخرج من شحمه حتى تلطف، فشقّ بطنه ثم خاطه، فمات المقداد وهرب الغلام(12).
وهذا نوع من العمليات التجميليّة التحسينيّة.والله أعلم.

ضوابط العمليات التجميليّة:
الضوابط التي أتناولها الآن شروط وقواعد تضبط العمليات التجميليّة عن الانحراف بارتكاب المحظور، فهي متى روعيت عند إجراء العملية حفظتها عن الوقوع في المحظور الشرعي.

الضابط الأول: ألا تكون العمليّة محل نهي شرعي خاص.
والنهي يستفاد بطريق النهي الصريح أو بما يدل على إثم فاعله، أو وعيده.
وقد جاء الشرع بالنهي عن عدة إجراءات تجميليّة، منها:
- عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة(13). عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة) (14).
- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: زجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصل المرأة برأسها شيئًا(15).
فهذه الأحاديث تدل على تحريم الوصل، وأنّه من المعاصي الكبيرة(16).
ومنها:
- عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع.فقيل لنافع: وما القزع ؟ قال: يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعضه(17).
وهذا يدل على كراهة القزع للرجال والنساء(18).
ومنها:
- عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تنتفوا الشيب) (19).
ومنها:
- عن عبد الله بن مسعود قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله (20).
فهذا يدل على تحريم الوشم وتفليج الأسنان والنمص.
ومنها:
- عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلعن القاشرة والمقشورة(21).
- وعنها أنها كانت تقول: يا معشر النساء إياكن وقشر الوجه(22).
- وهذه تدل على منع قشر الوجه -لو صح الحديثان-

الضابط الثاني: ألاّ تكون العملية محل نهي شرعيًّ عام.
وأقصد بهذا الضابط أن جواز العمليّة الجراحية يستدعي السلامة من عدة محاذير نهي الشرع عنها أدخلها كلها في هذا الضابط.
فمنها: أن تشبّه الرجال بالنساء، وتشبّه النساء بالرجال محذور.
فلا يجوز للرجل أن يجري عملية تجميل تحرفه ليكون مشبهًا للنساء في خلقتهن وكذلك العكس، ومعلوم أن لكل من الذكر والأنثى خصائص جسديّة تميّزه عن الآخر.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال(23).
وليس من هذا عمليات تصبح الجنس بحيث يعود التوافق بين ظاهر الشخص وتركيبه الكرموسومي وأعضائه التناسلية، بل المراد بهذا العمليات الهادفة إلى تغيير ظاهر الشخص ليشبه غير جنسه وملامحه.
- ومما وجدت بعض الباحثين يذكره ممّا يصلح أن يكون ضابطًا وهو: ألاّ تتضمّن العمليّة غشًا وتدليسًا.
ولا شك أن الغش ممنوع في الشرع؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من غشنا فليس منا) (24).
ولكن إعمال هذا الضابط إنما يكون في الموضع الذي يمنع فيه الغش والتدليس مثل من يجرى جراحة للتنكّر والفرار من العدالة.
أو مثل الرجل أو المرأة قبل الخطبة إذا أجريت لهم عملية توقيعيّة غير دائمة، أما لو كانت آثار الجراحة دائمة فإنّه لا تدليس هنا.
وكذلك فلا تدليس لو أجرت امرأة متزوجة عملية تجميليّة، فإنّها لن تغش أحدًا بذلك، بل غاية عملها هو التجمّل في نفسها وهو غير ممنوع.
وذلك أن إخفاء الحقيقة إنما تمنع إذا ارتبط بها حَقٌّ للغير، وأما إذا لم يرتبط بها حق للغير فلا وجه لتحريم إخفاء الحقيقة؛ لأنه يعود أمرًا شخصيًا.
ومع ظهور هذا، فإنه يمكن تأكيده بما يذكره أهل العلم عند تعليلهم لمنع بعض الأعمال لما فيها من التدليس قال خطابي: (الواصلات هن للواتي يصلن شعور غيرهن من النساء يردن بذلك طول الشّعر... فيكون ذلك زورًا وكذبًا فنهي عنه، أمّا القرامل فقد رخّص فيها أهل العلم، وذلك أنّ الغرور لا يقع بها؛ لأنّ من نظر إليها لم يشك في أنّ ذلك مستعار) (25).
وقال ابن جزي: (ويكره نتف الشيب، وإن قَصَد به التلبيس على النساء فهو أشد في المنع) (26).
ولا أرى جعل منع التدليس والغش ضابطًا، لندرة حصوله، ولا يسوغ إن يجعل التحرز من الصور النادرة ضابطًا لعدد كبير من الإجراءات العلاجيّة.
ومما وقفت عليه مما يُذكر ضابطًا ألاّ يكون بقصد التشبّه بالكافرين أو أهل الشر والفجور.
ولا إشكال أن التشبّه بالكفار مذموم في الشرع.عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من تشبّه بقومٍ فهو منهم) (27).
وهذا ضابط صحيح، لكني لا أعلم عمليّة تجميليّة يمكن أن تجعل المسلم شبيهًا بالكافر، وذلك لأن كل عرق وجنس بشري فيه المسلم والكافر وأمّا قصد التشبّه من المريض بكافر معين، فهذا يعود للمريض دون الطبيب.
وعليه فإنّه لا يسوغ عمل تجميلي يقصد به المسلم التشبّه بالكافر.

الضابط الثالث: أن تكون خاضعةً للتصوّر الإسلامي للجمال.
فهذا التصوّر الإسلامي يؤمن بأن الله تعالى خلق الإنسان خلقة حسنة كما قال تعالى: (وصوّركم فأحسن صوركم) [غافر:64].
ويؤمن كذلك أن الجمال وإن تفاوت لكنه ليس كل شيء، فلا يعطى أكبر من قدره كما سبق.
وهذا يحتم على الطبيب أن يكون له ذوقه في مسألة الجمال، ومدى ما فات منها، وحالة الإنسان، وهل شعوره بالنقص نتيجة لضعف في تركيبته النفسية، أو لمرض نفسي لديه وَلّد عنده عدم الرضا بما قدّر الله عليه، أو هو حقيقة تستحق العلاج.
ويمكنني أشير إلى أمور يمكن للطبيب من خلال ترجيح إجراء العمل الطبي من عدمه.
فمنها:
1- هل للشكوى المراد إزالتها بالعمليّة أثر على صحة الإنسان مثل: ألم الظهر، أو آثار السمنة.
2- هل هي ناتجة عن حادث استدعى علاجًا.
3- هل المراد تغييره يخالف الخلقة المعهودة في الإنسان.
4- هل يزول تضرر المريض وشكواه بمجرد العمليّة.
5- مدى الحاجة لها -مثل عمليات شد البطن أو شفط الدهون عند وجود الترهل الشديد-.
6- عمر المريض وجنسه.
7- هل للشكل المراد تغييره آثار سلبيّة على حياة المريض أم لا.
8- هل يمكن إزالة شكوى المريض بغير الجراحة.
وعند تأمل مثل هذه الجوانب يتبيّن للطبيب هل يجري الجراحة أم أن طلب المريض إنما هو محاولة لإشباع نزعة غرور تعتريه بالتطلّع إلى تحسين جسديّ مبالغ فيه، أو نتيجة ضعف في الشخصيّة فهذه لا ينبغي إجراء العمل لهم لأن شكواهم لن تزول بزوال العيب الظاهر، بل هم بحاجة للعلاج الإيماني والنفسي.

الضابط الرابع: أن يتحقق فيها ضوابط الأعمال الطبيّة عمومًا وهي الضوابط الآتية:
1- أن يغلب على الظن نجاحها.
وذلك أن كل إجراء طبي يشترط فيه أن تكون نسبة النجاح أكبر من نسبة عدم النجاح، وإلا صار العمل عبثًا، وكل عاقل فإنّه لا يقدم على عمل إلا بعد أن يغلب على ظنّه نجاحه وحصول النفع به.
وقد تقدم أن جسد الإنسان ملك لله تعالى، فلا يحق لأحد أن يقدم تصرف فيه إلا بما يغلب على الظن حصول المقصود منه، وإلا صار جسد الإنسان محلاً للتجارب، وموضعًا للعبث.
وكل إجراء لا يغلب على الظن نجاحه فهو عبث وإفساد وإضاعة وقت ومال.
قال العز بن عبد السلام: "الاعتماد في جلب مصالح الدارين، ودرء مفاسدهما على ما يظهر في الظنون،.. وكذلك أهل الدنيا إنّما يتصرّفون بناء على حسن الظنون، وإنما اعتمد عليها لأن الغالب صدقها عند قيام أسبابها، فإنّ التجار يسافرون على ظَنّ أنّهم يربحون.. والمرضى يتداوون لعلهم يُشفون ويبرؤون "(28).

2- أن يأذن بها المريض.
لا يحق لأي إنسان أن يتصرّف في جسم إنسان آخر بغير إذنه؛ فإنّه اعتداء عليه؛ قال تعالى: "ولا تعتدوا إنّ الله لا يحبّ المعتدين". [البقرة:190].
وعن أبي بكرة رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر بمنى: (إنَّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)(29).
وقد قرر الفقهاء أنّه لا يجوز لأحدٍ أن يتصرّف في ملك الغير بلا إذن، ومنافع الإنسان وأطرافه حق له(30).
ويدل على ذلك ما روت عائشة رضي الله عنها قالت: (لددنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني، فقلتا: كراهية المريض للدواء، فلّما أفاق قال: ألم أنهكم أن تلدوني؛ لا يبقى أحدٌ في البيت إلاّ لُدَّ) (31).
فقد عاقب صلى الله عليه وسلم من داوه بعد نهيه عن ذلك، والعقوبة لا تكون إلا بسبب تعدٍّ(32)، وهذا يوضّح أنّ إذن المريض ضروريّ لإجراء التداوي فإذا رفض التداوي فله الحق في ذلك، ويكون إجباره على التداوي تعديًا(33).

3- أن يكون الطبيب مؤهّلاً.
قال ابن القيم: (إذا تعاطي علم الطب وعمله، ولم يتقدم له به معرفة، فقد هجم بجهله على إتلاف الأنفس، وأقدم بالتهوّر على ما لم يعلمه.. قال الخَطّابي: لا أعلم خلافًا في أن المعالج إذا اعتدى، فتلف المريض كان ضامنًا، والمتعاطي علمًا وعملاً لا يعرفه متعدٍّ) (34).
وقال ابن مفلح عن الطبيب: (لا تحلّ له المباشرة مع جهلة ولو أُذن له)(35).
والمتطبب الجاهل يشمل من لم يحسن الطب ولم يمارس العلاج أصلاً، ومن عنده إلمام بسيط يعلم الطب لا يؤهله لممارسته، ومن لديه معرفة بفن من فنون الطب ثم يقدم على الممارسة في تخصّص غيره.
ففي كل هذه الحالات يكون المعالج متطببًّا جاهلاً.
وهؤلاء لا يحل لهم أن يباشروا أي إجراء علاجي على أبدان المرضى، لفقدهم شرط الجواز وهو المعرفة بالطب.

4- ألاّ يترتب عليها ضرر أكبر.
مبنى الشريعة الإسلامية على جلب المصالح ودرء المفاسد.
وإذا تعارضت المصالح والمفاسد: فإن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد فهو المطلوب، وإن لم يمكن تحصيل المصلحة إلا بارتكاب مفسدة فينظر في الغالب منهما.
فالله تعالى حرّم الخمر والميسر مع أن فيهما منفعة، لأن مفسدتهما أكبر قال تعالى: "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما" [البقرة:219].
فلابد للطبيب قبل إجراء عمل تجميلي أن يقارن بين الآثار السلبيّة المترتبة على عمله وبين الأضرار المترتبة على عدم التدخل العلاجي، والمصلحة المترتبة عليه.
وللأضرار أنواع فمنها: شلل الوجه وتلف عصب الوجه في عمليات شد الجبين، أو التواء الذكر في عمليات إصلاح المبال التحتاني.
ومنها الضرر النفسي والاكتئاب المصاحب لعدم اقتناعه بنتيجة العمليّة وأثرها.

5- مراعاة أحكام كشف العودة.
العودة هي ما أوجب الله تعالى ستره من جسد الإنسان، ويحرم النظر إليه(36).
وقد قرر أهل العلم - استباطًا من نصوص الشرع وقواعده، واستلهامًا من مقاصده وعوائده - أنّه يسوغ كشف العورات عند جملة من أنواع الضرورات، ومنها المداواة.
وذلك لأنّ كل محرم يباح عند الاضطرار كما قال تعالى: "وقد فَصّل لكم ما حرّم عليكم إلاّ ما اضطررتم إليه". [الأنعام:119]. والحاجة تُنـَزَّل منـزلة الضرورة(37).
قال في الشرح الكبير: (وللطبيب النظر إلى ما تدعو الحاجة إلى نظره إليه من بدنها من العورة وغيرها، لأنّه موضع حاجة) (38).
ولكن قاعدة إباحة المحرم بعلّة الاضطرار مقيدة بقاعدة أخرى وهي أنّ الضرورة تقدَّر بقدرها(39)، فلا يتوسّع في المحظور، وإنمّا يترخّص بقدر ما تندفع الضرورة وتنتهي الحاجة.
وعليه فإني لا أرى أن للطبيب إجراء عمليات تجميل تتضمن كشف عورة مغلظة إلا إذا كانت من العمليات المحتاج لها دون العمليات التحسينية المحضة.
إن جميع ما سبق إنما هو عرض لبعض العلامات والمنارات التي يمكن للطبيب الاستفادة منها في تقويم مدى مشروعيّة إجراء الأعمال التجميليّة بشكل عام.
وإن فيما سبق عن عرض دليل على صلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان كيف لا وهي دين رب العالمين.
وفيه دليل على عناية الإسلام بالجمال الذي هو من سمات ما خلق الله في الكون (فالله جميل يحب الجمال)

------------------

عمليات شفط الدهون

وقد أفادت الدراسة: أن الحكم الفقهي لعملية شفط الدهون حالتان، حسب الغرض من إجرائها:

الحالة الأولى: إذا كانت علاجاً لأمراض نشأت عن تراكم الدهون في منطقة أو أكثر في الجسم كالسمنة المَرَضية وآلام المفاصل والظهر، بحيث تسهم هذه العملية في إزالة الدهون الزائدة، خاصة بالنسبة لمن يشكون البدانة، ولا يمكنهم تخفيف وزنهم بالطرق غير الجراحية كالحمية الغذائية والتمارين الرياضية، ففي هذه الحالة أجاز بعض الفقهاء التداوي بالحقنة ونحوها؛ من أجل الهزال وضعف الجسم لما يترتَّب عليه من الإصابة ببعض الأمراض، وإذا جاز التداوي بالتسمين جاز بجراحة شفط الدهون، فكلاهما من التداوي الذي ثبت أصل مشروعيته.

الحالة الثانية: إجراء عملية شفط الدهون للمبالغة في تعديل القوام وتحسين المظهر العام للجسم؛ لتكون جميع الأعضاء متناسقةً رغم أن الخِلْقة معهودة معتادة؛ ذلك أن بروز بعض الأعضاء كالأرداف وأسفل البطن قد لا تكون مرغوبة، وبخاصة عند المرأة، فتُجرى هذه العملية ليكون القوام معتدلاً ممشوقًا، مشيرا إلى حرمة إجراء الجراحة في هذه الحالة.

عمليات شد البطن

وتطرق البحث إلى الحكم الفقهي لعملية شد البطن، مشيرًا إلى أن لها حالتان حسب الغرض من إجرائها:

الحالة الأولى: أن تُجرى العملية علاجاً لأمراض واقعة أو متوقَّعة كالفتاق، وتهيّج الجلد وإصابته ببعض الأمراض، وكذا إذا حدث ترهُّل غير معهود في البطن بسبب مرض ونحوه، بحيث يظهر الشخص (الرجل أو المرأة) في مظهر مشوَّه مشيرًا إلى جواز إجراء جراحة شد البطن في هذه الحالة.

الحالة الثانية: أن يكون ترهُّل البطن ناشئًا عن زيادة الوزن أو الحمل المتكرّر، ويبدو في مظهر معتاد، ولا يترتَّب عليه ضرر عضوي ولا نفسي، لكن يُراد إجراء هذه الجراحة لزيادة التحسين، وتجميل المظهر العام مشيرًا إلى حرمة إجراء الجراحة في هذه الحالة.

عمليات تكبير بعض الأعضاء

كما تطرق البحث إلى حكم تكبير بعض الأعضاء (الساق والردف)، مشيرًا إلى أن من أشهر عمليات تكبير الأعضاء تكبير السيقان والأرداف، ويختلف حكم إجرائها بحسب الغرض منها، وهذا له حالتان:

الحالة الأولى: إجراء العملية لأغراض ترميمية:

ويُراد بذلك الحالات التي تُجرى فيها عمليات التكبير عند الإصابة ببعض الأمراض كالشلل، أو عند التعرض للحوادث التي تؤثِّر على مظهر العضو وتجعله نحيفاً بشكل مشوّه، أو عند تعرَّض أحد العضوين المتناظرين لمرض أو حادث، يجعل مظهرهما غير متناسق، كما يحدث في الساقين مشيرًا إلى أن عملية التكبير في هذه الحالة جائزة شرعاً بشرطين:

1- ألا يوجد بدائل أخرى للجراحة، فإن أمكن إزالة التشوّه بغير الجراحة لم يجز إجراؤها؛ إذ الأصل حرمة جسم المعصوم وعدم جواز الاعتداء عليه بشق أو جرح ما لم يكن لذلك مسوِّغ شرعي.

2- ألا يترتَّب على إجراء العملية ضرر أو تشوّه يفوق الضرر الأصلي؛ لأن الضرر الأشد يُزال بالضرر الأخف، فإذا لم يغلب على ظن الطبيب نجاح الجراحة وزوال التشوّه دون ضرر أشد لم يجز إجراؤها.

الحالة الثانية: إجراء العملية لأغراض تحسينية:

ويُراد بذلك إجراء العملية لمجرّد التحسين والتجميل، وتكبير العضو الذي قد يبدو نحيفاً، ولكنه معتاد ومقبول، مشيرًا إلى حرمة إجراء عملية التكبير في هذه الحالة.

عمليات الحقن التجميلي

وتعرض البحث إلى حكم عمليات الحقن التجميلي، وله ثلاث مسائل:

المسألة الأولى: حكم حقن الدهون

ويُراد به سحب الدهون من جسم الإنسان وحقنها في الجسم نفسه لأغراض تجميلية، وهو من أمثلة الحقن الذاتي، وينبني حكم هذا النوع على عدة أمور منها:

- حكم النقل الذاتي لأجزاء الجسم المتجدّدة؛ ذلك أن المادة المحقونة يمكن أن تتجدّد في العضو الذي سُحِبت منه موضحًا، أن حكم النقل الذاتي لما يتجدّد من الجسم كالدهن والجلد ونحوهما فهو جائز - عند الحاجة إلى ذلك والأمن من ضرر أشد - عند عامة العلماء المعاصرين،وقد نصَّت قرارات المجامع الفقهية على ذلك، ومنها ما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي: ((أولاً: يجوز نقل العضو من مكان من جسم الإنسان إلى مكان آخر من جسمه مع مراعاة التأكد من أن النفع المتوقَّع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتِّب عليها، وبشرط أن يكون ذلك لإيجاد عضو مفقود، أو لإعادة شكله، أو وظيفته المعهودة له، أو لإصلاح عيب، أو إزالة دمامةٍ تسبب للشخص أذىً نفسياً أو عضوياً)، وفي حقن الدهن إعادة لشكل العضو الذي أصابته التجاعيد وإصلاح لعيوب الجلد وإزالة للدمامة التي تلحق الوجه وتسبِّب له الأذى النفسي.

المسألة الثانية: حكم حقن الكولاجين وما يشبهه

"الكولاجين" مادة بروتينية تؤخذ من الجسم، وتُحقن في الوجه لملء التجاعيد وعلاج التشوّهات، وأشهر أنواعه الكولاجين البقري، الذي يُستخرج من الأبقار، ثم تُجرى له عدّة إجراءات لتصنيعه في شكل حُقن؛ لذا فإن حكم حقنه ينبني على حكم نقل أجزاء حيوانية إلى جسم الإنسان، بالإضافة إلى ما يترتَّب على الحقن من ضرر، مشيرًا إلى أن رأي الفقهاء المعاصرون جواز التداوي بأخذ أي جزء من أجزاء الحيوان الطاهر، وهو الحيوان مأكول اللحم المُذكَّى، فيجوز أخذ عضو أو استخلاص مادة من البقر المذكّى كالكولاجين وحقنه في جسم الإنسان، ومما يدل على التداوي بأجزاء الحيوان الطاهر.

المسألة الثالثة : حكم حقن البوتوكس

"البوتوكس" مادة شديدة السمّية تُسْتخرج من بعض أنواع البكتيريا، وحكم حقنه ينبني على أمرين:

1- حكم التداوي بالسموم.

2- الغرض من الحقن.

أما التداوي بالسموم فقد أجازه كثير من الفقهاء إذا كان السم قليلاً لا يُخشى منه الهلاك، وكان الغالب على الدواء السلامة ورُجِي نفعه؛ لأن تناول السم وإن كان فيه مفسدة الإقدام على ما فيه ضرر، إلا أن في تناوله دفعاً لمفسدة أعظم وضرر أشد، وأما ما فيه من ضرر يُخشى منه فغالب الأدوية يُخشى من أثره الجانبي، وإنما العبرة في زيادة المنفعة على المضرة.

أما الغرض من استعماله فيجب أن يقتصر على إزالة العيوب وتصحيح التشوّهات التي تصيب الوجه والجسم، أما استعماله للتدليس أو العبث وتغيير خلق الله تعالى فهو محرّم، وذلك كاستخدامه من قبل كبار السن لإزالة تجاعيد الوجه المعتادة وإيهام الآخرين بصغر السن .

هناك 20 تعليقًا:

  1. السلام نوقش معنا في الاختبار

    ردحذف
  2. ردوا الله يوفقكم

    ردحذف
  3. ردو معقولة كل الاقوال معانا بصراحة كثير ردو امينة مريوم ردو الله يخليكم

    ردحذف
  4. لو أعرف كان أفدتك

    ما اعرف يالغلا ذاكري كل شيء

    ردحذف
  5. محاضرات التفسير نزلوها

    ردحذف
  6. السلام انا طالبة انتساب ابي ملازم فقه جنايات الله يوفقكم اذا تقدرون نزلوها في التصوير

    ردحذف
  7. السلام انا طالبةانتساب وابي منكم تنزلون ملازم فقه الجنايات بالتصوير اذا ماعليكم امر

    ردحذف
  8. السلام عليكم هذي الي بعد الشهري
    أتمنى احد يرد ع
    والسلام عليكم....

    ردحذف
  9. معليشَ بس سؤال الترٍم اللي راح كيف كآن الأسئله موضوعيه والا مقاليه < ناسسيه كل ششيَ :(

    ردحذف
  10. الدكتوره حابه تبلغ الطالبات اللي ماجابوا اعذار الامتحان سيلغى امتحانهم

    -

    ردحذف
  11. تنبيه للطالبات اللاتي لم يأتين باعذار أو كانت الاعذار غير مطابقه لتاريخ يوم الامتحان اضطرت الدكتوره انها تلغي الامتحان ..

    ومن الطالبات و هناك طالبات لم يتم ذكر اسماءهم :

    وضحى السهلي - سلطانه الحربي - نوره الجحيش - اسماء العمري - خديجة الجهني - انفال البشر - وعد المطيري- امنه الخالدي - منيره السحاري - مشاعل ال شري


    الرجاء من الطالبات مراجعة الدكتوره غدا للضروره اللازمه

    ردحذف
  12. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    بنات هاذي ملزمة فقه الحدود http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=11&book=4974
    نزلتها من موقع الدكتور يوسف الشبلي

    لحد صفحة 26
    ((الفصل الثاني مو معنا ))

    بالتوفيق للجميع

    ردحذف
  13. بنااات بليز الي عارفة مقادير الديات ياليت تكتبها لان في الملزمة مكتوب 12الف درهم والمراه نصف الرجل يعني بتكون 60 بس الملزمة مكتوب فيها بخط اليد المراة المسلمة50 و55في العمد وكمان مكتوب 100الف اذاكان خطا احس اني موفاهمة شي ياليت الي تعرف وفاهمة تكتب اللة يجزها الجنة

    ردحذف
  14. بنات هاذي ملزمة العمليات التجميلية

    في التصوير مو واضحة

    http://sub5.rofof.com/05eugzx24/Al-3mlyat_Al-tjmylyh.html

    ردحذف
  15. ملزمه الحدود و حد الزنا

    http://www.mediafire.com/?5vny58h5tva2tcn

    -

    ردحذف
  16. تلخيص >>>>>>> للملخص الفقهي
    احكام الديات :
    كامل
    باب في مقادير الديات
    ديات النفس:
    • 100الف وعشرة الاف (110,000) للعمد وشبه العمد
    • دية المسلم الحر 100 الف(100,000) اذا كان خطأ
    • دية المرأة المسلمة 55 الف (55,000) في العمد
    • دية المرأة المسلمة 50 الف (50,000) في الخطأ
    • دية الحر الكتابي نصف دية المسلم
    • دية نساء أهل الكتاب نصف دية ذكورهم
    ديات الاعضاء والمنافع :
    • فإذا تلف ما في الإنسان منه شيء واحد كالأنف واللسان دية كاملة
    • ما منه اثنين (كالعينين ، والأذنين ، والشفتين ، واللَّحْيين ) نصف الدية ,, واذا اتلف كلاهما فدية كاملة
    • وما في الإنسان منه ثلاثة أشياء : إذا أتلفها جميعا ; ففيها دية كاملة ، وفي الواحد منها ثلث الدية ، وذلك كالأنف ; فإنه يشمل ثلاثة أشياء هي : المنخران والحاجز بينهما ، فتوزع الدية عليها كما توزع الأصابع .
    • وما في الإنسان منه أربعة أشياء ; ففيها جميعا إذا أتلفت دية كاملة ، وفي الواحد منها ربع الدية ، وذلك كالأجفان الأربعة ;
    • وفي أصابع اليدين الدية كاملة ، وكذا أصابع الرجلين دية كاملة إذا قطعت جميعا ، وفي كل أصبع عشر الدية



    باب في كفارة القتل:
    الكفارة سميت بذلك اشتقاقا من الكفر ، وهو الستر ، لأنها تستر الذنب وتغطيه
    والدليل على وجوب كفارة القتل الكتاب والسنة والإجماع .
    - قال الله تعالى : وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُواإلى قوله تعالى : فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
    - وروى أبو داود والنسائي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في القاتل : أعتقوا عنه ، يعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار
    ومعناه أن الحكمة في تشريع الكفارة في القتل الخطأ ترجع إلى أمرين :
    الأمر الأول : أن الخطأ لا يخلو من تفريط من القاتل ،
    الأمر الثاني : النظر إلى حرمة النفس الذاهبة به .
    فمن قتل نفسا محرمة ، ولو كان مملوكه ، أو كان كافرا معاهدا أو مستأمنا ، مولودا أو جنينا بأن ضرب بطن حامل فألقت جنينا ميتا ، من قتل واحدا من هؤلاء ; وجبت عليه الكفارة ، لعموم قوله تعالى : وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
    المطلوب >>> الشاهد من الآية ...((انها على الترتيب وليس على التخيير))

    ردحذف
  17. باب في حد المسكر :
    كامل
    باب في حد السرقة :
    كامل
    باب في حد قطاع الطرق:
    فمن أراد أن يعوق سيرهم ، أو يسد طريقهم ، أو يخوفهم في أسفارهم . فقد شرع له حدا رادعا ، يزيل هذا العائق ، ويميط الأذى عن الطريق ، قال تعالى : إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
    والمراد بالمحاربين الذين يسعون في الأرض فسادا : قطاع الطريق وهم الذين يعرضون للناس في الصحراء أو البنيان ، فيغصبونهم المال مجاهرة لا سرقة
    وحدهم يختلف باختلاف جرائمهم :
    - فمن قتل منهم وأخذ المال ; قتل حتما وصلب حتى يشتهر أمره ، ولا يجوز العفو عنه بإجماع العلماء .
    - ومن قتل ولم يأخذ المال ; قتل حتما ولم يصلب
    - ومن أخذ المال ، ولم يقتل . قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى في مقام واحد ، وحسمت عن النزيف ، ثم خلي .
    - ومن أخاف السبيل فقط ، ولم يقتل ، ولم يأخذ مالا ; نفي من الأرض ; بأن يشرد ; فلا يترك يأوي إلى بلد ، بل يطارد .
    - ولو قتل بعضهم ; ثبت حكم القتل عليهم جميعا ، وإن قتل بعضهم وأخذ المال بعضهم . قتلوا جميعا وصلبوا .
    - ومن تاب منهم قبل القدرة عليه ، سقط عنه ما كان واجبا لله تعالى من نفي عن البلد وقطع يد ورجل وتحتم قتل ، وأخذ بما للآدميين من الحقوق من نفس وطرف ومال ; إلا أن يعفى له عنها من مستحقيها ; لقوله تعالى : إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
    - قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " اتفقوا على أن قاطع الطريق واللص ونحوهما إذا رفعوا إلى ولي الأمر ، ثم تابوا . بعد ذلك ; لم يسقط الحد عنهم ; بل تجب إقامته ، وإن تابوا ، وإن كانوا صادقين في التوية .
    باب في قتال أهل البغي :
    وأجمع الصحابة على قتال الباغي .
    والبغي في الأصل معناه الجور والظلم والعدول عن الحق ; (اللذين يخرجون عن الامام )
    إذا خرج على الإمام قوم لهم شوكة ومنعة بتأويل مشتبه يريدون خلعه أو مخالفته وشق عصا الطاعة وتفريق الكلمة ; فهم بغاة ظلمة ;
    ويتجنب في قتالهم الأمور التالية :
    أولا : يحرم قتالهم بما يعم ; كالقذائف المدمرة .
    ثانيا : يحرم قتل ذريتهم ومدبرهم وجريحهم ومن ترك القتال منهم .
    ثالثا : من أسر منهم ; حبس حتى تخمد الفتنة .
    رابعا: لا تغنم أموالهم ;
    وإن أظهر قوم رأي الخوارج كتكفير مرتكبي الكبيرة ، واستحلال دماء المسلمين ، وسب الصحابة ; فإنهم يكونون خوارج بغاة فسقة ، فإن أضافوا إلى ذلك الخروج عن قبضة إمام المسلمين ; وجب قتالهم
    باب في أحكام الردة:
    والمرتد في الاصطلاح : هو الذي يكفر بعد إسلامه طوعا بنطق أو اعتقاد أو شك أو فعل .
    والمرتد له حكم في الدنيا وحكم في الآخرة
    أما حكمه في الدنيا ; فقد بينه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله . من بدل دينه فاقتلوه
    وأما حكمه في الآخرة . فقد بينه الله تعالى بقوله : وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
    ونواقض الإسلام التي تحصل بها الردة كثيرة .:
    من أعظمها الشرك بالله تعالى ; فمن أشرك بالله تعالى ; بأن دعا غير الله من الموتى والأولياء والصالحين ، أو ذبح لقبورهم ، أو نذر لها ، أو طلب الغوث والمدد من الموتى ; كما يفعل عباد القبور اليوم ، فقد ارتد عن دين الإسلام ; وكذلك من سب الله تعالى أو سب نبيا من أنبيائه ; فقد كفر . وكذلك من ادعى النبوة ، أو صدق من يدعيها بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ;
    ومن جحد تحريم الزنى ، أو جحد تحريم شيء من المحرمات الظاهرة المجمع على تحريمها كلحم الخنزير والخمر ، أو حرم شيئا مجمعا على حله ; مما لا خلاف في حله ; كالمذكاة من بهيمة الأنعام ; فقد كفر .
    وقال : " من سب الصحابة أو أحدا منهم ،
    ومن حكم القوانين الوضعية بدل الشريعة الإسلامية ; يرى أنها أصلح للناس من الشريعة الإسلامية ، أو اعتنق فكرة الشيوعية أو القومية العربية بديلا عن الإسلام ، فلا شك في ردته .
    وأنواع الردة كثيرة ، مثل من ادعى علم الغيب ، . ومثل من لم يكفر المشركين أو يشك في كفرهم أو يصحح ما هم عليه ، ومثل من يعتقد أن هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه ،
    فمن ارتد عن دين الإسلام ; فإنه يجب أن يستتاب ويمهل ثلاثة أيام ، فإن تاب ، وإلا قتل ;

    واذا حصل واكتشفتوا أي خطأ عدلوه .... وفيه زيادات اضفتها على التخطيط لابراء الذمة
    ...بالتوفيق... 

    ردحذف
  18. مشكوووره حلوتي .. وربي يوفقنا واياااك عزيزتي

    ردحذف
  19. العفو عزيزتي....الله يوفق الجميع

    ردحذف
  20. الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله

    ردحذف